مقالات

من وحي الإستقلال وشهدائه الشهيد سعد الله قاسم الحموي(رحمه الله) بقلم سماحة الشيخ محمد مظهر الحموي

من وحي الإستقلال وشهدائه
الشهيد سعد الله قاسم الحموي(رحمه الله)
بقلم محمد مظهر الحموي
كلما اطلت ذكرى إستقلال لبنان في كل عام يتساءل أبناء طرابلس عن سبب إستمرار اللامبالاة والإهمال المتمادي لشهداء طرابلس الذين قضوا في فترات متلاحقة ذودا عن إستقلال لبنان في مواجهة ما يسمى بالإنتداب الفرنسي وبخاصة أبان الإضرابات الشهيرة التي شهدتها مدينة طرابلس عام ١٩٣٦م وقبل استقلال لبنان عام ١٩٤٣ م.
٨٥ عاما مرت على انتفاضة طرابلس عام ١٩٣٦ م وإضراباتها المتلاحقة والتي إستمرت إحداها حوالي أربعين يوما حين أعلنت مدينة طرابلس العصيان على المحتل الفرنسي فإنكفأت المدينة ممتنعة عن التبادل التجاري ومعتصمة داخل أحيائها الشعبية لتنطلق من باحة الجامع المنصوري الكبير تظاهراتها بصورة شبه يومية رافضة الإحتلال الفرنسي الذي شعر أن هذه الإضرابات والإحتجاجات سوف تؤثر سلبا على الحياة الإقتصادية في المدينة وخاصة على مرفئها وتقلص الماكنة الإقتصادية التي تبوأتها طرابلس طوال قرون سابقة .
ويتحدث المؤرخون ومنهم الشيخ كامل البابا ( رحمه الله) وكبار السن من أبناء طرابلس عن وقائع هذه الإضرابات التي حاول الفرنسيون قمعها بعمليات إجتياح للاسواق الداخلية وأحياء باب الرمل الذي سمي بجبل النار لشدة مقاومته ونحو حي النوري بجانب الجامع المنصوري الكبير حيث يربض ثوار المدينة خلف إستحكاماتهم ببنادقهم المتواضعة وكذلك في سوق الكندرجية ومفترق سوق الصاغة والبازركان حيث جرت أعظم مواجهة بين الثوار والقوات الفرنسية وهناك سقط اول شهيد من الثوار وهو جد والدي الشهيد سعد الله قاسم الحموي ( الملقب بالبيروتي) وقد تعذر دفنه آنذاك لشدة المعارك وإنقطاع الطرقات المؤدية الى جبانة باب الرمل فجرى دفنه في الحديقة الخلفية للجامع المنصوري الكبير ثم بعد إنتهاء المعارك كما ورد عن لسان الحاج صلاح حمزة (رحمه الله) صاحب مؤسسة دفن الموتى  والحاج علي الشلبي القيم على الجامع المنصوري الكبير (حفظه الله) أنه تم نقل جثمانه مع بعض الشهداء الى قطعة أرض مجاورة لجبانة باب الرمل وجامع طينال عرفت فيما بعد بإسم جبابة الشهداء.
يقول الحاج صلاح حمزة (رحمه الله) لوالدي الشيخ مظهر الحموي أنه عندما فتحوا قبر جده الشهيد سعد الله الحموي وأخرجوا جثته لينقلوها الى جبانة الشهداء بعد أكثر من ثلاثين يوما يقول الحاج صلاح كانت كأنها مدفونة الآن.
ثم توالى سقوط الشهداء في إنتفاضات العام ١٩٣٦ م ليبلغ خمسة شهداء هم على التوالي سعد الله قاسم الحموي ، ومحمد رشيد دنيا ، ومحمد ديب المير ، واحمد النابلسي ، وقتلت بدرية يوسف العتر. (رحمهم الله)
أما في إنتفاضة الإستقلال التي جرت عقب إعتقال الفرنسيين زعماء البلاد وكان من بينهم إبن طرابلس دولة الرئيس عبد الحميد كرامي (رحمه الله) فقد إهتاجت المدينة وتصدت تظاهراتها المدوية للعسكر الفرنسي (السنغال) في شارع المصارف حيث أدى إطلاق الرصاص الحي فضلا عن سحق الدبابات الفرنسية للعديد من المتظاهرين الى سقوط عشرة شهداء هم كمال الضناوي- رشيد حجازي – ثروت أفيوني – سعيد شفشق – عبد القادر الشهال- أحمد صابر كلس – سليم صابونة – فوزي شحود – محمد حسن خضر – وخالد مصطفى الكوت.
وقد دفن معظم هؤلاء الشهداء الى جانب رفاقهم الذين سقطوا عام ١٩٣٦م في جبانة الشهداء قرب جامع طينال.
وللاسف الشديد عند زيارتنا لأضرحة هؤلاء الشهداء وجدناها متصدعة وبدون شواهد تدل على أسماء الشهداء ما يبعث على التساؤل حول سبب إهمال سيرة هؤلاء الذين قضوا في سبيل الإستقلال .
إن طرابلس بأسرها تتمنى لو يبادر المسؤولون فيها على إختلاف مراكزهم الى الدعوة لتكريم هؤلاء الشهداء بإقامة نصب تذكاري في مدخل الجبانة يتضمن أسماء هؤلاء الأبرار بعد ترميم أضرحتهم وإقامة شواهد لهم وتنظيف الأعشاب والأشواك والشجيرات من حولها .
إنها دعوة ملحة نطلقها في يوم الإستقلال فشهداء طرابلس هم أيضا جديرون بأن نذكرهم ، أم أنه كتب على هذه المدينة أن يُنسى أحياؤها وايضا شهداؤها؟؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى