حملة نابليون بونابرت على مصر أسبابها ونتائجها / بقلم عبد الهادي محيسن/الشراع

مجلة الشراع 6 كانون اول 2021

( من وجهة النظر الفرنسية )

ثلاثة أمور كانت في رأس نابليون بونابرت وهو يعد العدة في العام 1797 لتحركه العسكري التالي أولا – الى جانب قوة إنكلترا التي لا تزال تهدده فكان عليه متابعة انتصاراته العسكرية فلم يجد مكانا آخر لتحقيق مجد آخر غير الشرق وقد قاده هذا المفهوم جنبا الى جنب باتجاه الشرق لايقاع الأذى ببريطانيا .

ثانيا – كان نابليون قد انجذب الى الشرق منذ صباه ، فمن تلخيص له لكتاب ماريني تاريخ العرب الى اعجابه بعبارة جان تيري بالأمجاد التي ارتبطت بفتوحات الإسكندر المقدوني في مصر مدعما فكرته بالفائدة المتمثلة في اكتساب مستعمرة إسلامية جديدة على حساب إنكلترا .

ثالثا – اعتبر نابليون أن مصر مشروعا ممكنا لأنه عرف مصر  من الناحيتين التاريخية والإستراتيجية ، فمصر كانت بالنسبة الى نابليون مشروعا حقيقيا في ذهنه وهو لم يهدف ألاّ لأخذ مصر بأكملها فكانت تجهيزاته السابقة للحملة ضخمة ومحكمة بصورة لا مثيل لها .

كان إدراج نابليون لعدد كبير من المختصين تحقيقا لفكرته لتأسيس سجل للمحفوظات كإرشيف لهذه الحملة ، في صورة دراسات حول كل الموضوعات الممكنة التي سيقوم بها أعضاء معهد مصر الذي أنشاه ، وهو ما عرفه من دراسات الرحالة الفرنسي دوفولني في كتاب نشره “رحلة الى مصر وسورية” عام 1787 وقد عاين فيه الشرق الأدنى بوصفه مكانا يمكن أن تتحقق فيه الطموحات الفرنسية الإستعمارية .

يشير نابليون صراحة الى فولني الذي كتب أن هناك ثلاثة حواجز في وجه السيطرة الفرنسية في الشرق وأن أي قوة فرنسية لابد أن تواجه ثلاثة حروب الأولى ضد إنكلترا والثانية ضد الباب العالي العثماني والثالثة وهي الأكثر صعوبة ضد المسلمين  .

منذ الظهور الأول لنابليون مترئسا جيش فرنسا على الأفق المصري متسلحا بفريق من المستشرقين وجالسا في سفينة القيادة ” الشرق ” …. بذل نابليون ما في وسعه من جهد لإقناع المسلمين في إعلانه لسكان الإسكندرية في تموز 1798 ” أننا نحن المسلمون الحقيقيون ” أي الفرنسيين – مستغلا عداء المصريين للمماليك شارحا فكرته الثورية عن تساوي الفرص أمام الجميع .

لقد حاول نابليون في كل الأوقات أن يبرهن أنه يحارب من أجل الإسلام وقد ترجم كل ماقاله الى عربية قرآنية ، كما كان قواد الجيش الفرنسي يحثون جنودهم دائما الى تذكر الحساسية الإسلامية ، وعندما تبين لنابليون أن القوة التي يقودها لم تكن تكفي لفرض نفسها على المصريين حاول أن يجعل الأئمة والقضاة ورجال الإفتاء والعلماء يؤولون القرآن بما يخدم مصلحة الجيش العظيم  .

وتحقيقا لهذا الغرض دعى أساتذة الأزهر وهم العلماء الستون الى مجلسه حيث استقبلوا استقبالا عسكريا رسميا ثم استمعو الى إطراء نابليون وإعجابه بالإسلام وبمحمد كنبي ورسول وإجلاله الواضح للقرآن ، بدا نابليون على إلفة تامة معهم فنجحت خطته وسرعان ما أظهر سكان القاهرة وكأنهم فقدوا ريبتهم بالمحتلين ، ولقد آمن فيكتورهوغو بإدراك نابليون مجده في حملته الشرقية وجسده في قصيدة .

لكن التعامل مع المسلمين لم يكن إلا جزأ واحدا من مشروع نابليون للسيطرة على مصر وكان الجزء الآخر تحويل مصر الى بلد مفتوح وتحت السيطرة الفرنسية وأن تتحول الى دائرة للمعارف الفرنسية ، حيث تحتل مصر في موقعها بين أفريقيا وآسيا ولسهولة إتصالها البحري بفرنسا خاصة وأوروبا عامة لتكون مركز القارة القديمة .

فمصر لا تقدم سوى الذكريات العظيمة فهي تحفظ مآثر لا تحصى وهي أرض الفنون وما تزال معابدها الرئيسية والقصور التي سكنها ملوكها قائمة ،  وقد رحل إليها عبر التاريخ هوميروس وسولون وفيثاغورس وأفلاطون ….لدراسة علومها ودياناتها وقوانينها ، وأسس الإسكندر فيها  مدينة عامرة بالرفاه والثراء مدينة تمتعت لزمن طويل بالسيادة التجارية .

ولأن مصر كانت مفعمة بالدلالات والمعاني بالنسبة للفنون والعلوم والسياسة والحكم فقد كان دورها أن تكون المسرح الذي تدور عليه الأحداث ذات الأهمية التاريخية العالمية  ، وبالإستيلاء على مصر يكون قدر مصر أن تلحق بأمة أخرى ويفضل أن تكون أوروبا وأن هذه القوة (الفرنسية) الحديثة ستدخل التاريخ كما دخله شخصيات عظيمة أمثال هوميروس والإسكندر وأفلاطون وفيثاغورس وغيرهم الذين باركوا الشرق بوجودهم .

وبناء عليه سوف يذكر التاريخ الإنطباع الذي ستتركه على أوروبا بأكملها الأنباء المذهلة بأن الفرنسيين قد دخلوا الشرق في مشروع عظيم درس بصمت في إمعان وتأمل عميق وأعد له بدرجة من النشاط والسرية .

عبد الهادي محيسن … كاتب وباحث