ثقافة وفن

.لماذا الكأس تغريني…؟! قصيدة لشاعر فلسطين الاديب الكبير الاستاذ مروان الخطيب .

لماذا الكأس تغريني…؟!

لماذا الكأسُ تُغْريني،
وَفي أعْماقِيَ الثَّكْلى،
نشيدُ السَّيفِ والفِرْدَوْسِ والعِينِ…؟،
لماذا تَخْطَفُ الغِرْبانُ شَرْنَقَتي،
هديلَ العُشِّ سَوْسَنتِي،
عبيرَ الأَيْكِ … زَنْبَقَتي،
ومِلْحَ البُقْعَةِ النَّجْلاءِ في آياتِ
تكويني؟،
فأَعْرى في بلادِ النَّخْلِ والزَّيتونِ والتِّينِ،
وليسَ العارُ في عُرْيِي،
ولكنْ، أنْ تَرَى عَرَباً بِلا سَيْفٍ، بلا غارٍ،
ولا دِينِ ،
تُعِينُ الغَرْقَدَ المَلْعونَ في بَلوايَ،
تُسْلِمُني،
لِمَوْجِ البَحْرِ والأَنْواءِ،
لا خِدرٌ ألوذُ بِهِ،
ولا سِتْرٌ يُغَطِّيني،
*    *    *    *
لماذا الكأسُ تُغْريني…؟،
غَريبٌ يَسْأَلُ الأَفْراسَ عَنْ يارا،
وعَنْ مِيلادِ طَلْعَتِها،
يَجُوبُ البَحَرَ مُنْدَفِعاً،
إلى شَمْسٍ مُزَرْكَشَةٍ بِثَوْبِ الجَمرِ،والطِّينِ…،
هِلالُ الّليلِ ما انْفَكَّتْ مَدامِعُهُ،
تُنادِي الأَسْمَرَ المَحْزونَ: لا تَرْحَلْ،
غَداً تَغْزوكَ سُنْبُلةٌ،
أضاميمُ الشَّذا الحانِي،
وتَعْلُو صَدْرَكَ الباكي،
قَرُنْفُلَةٌ ملامِحُها مُخَضَّبةٌ،
بِتُربِ القُدْسْ،
بِقَمحِ العُرْسْ،
وبالرَّيْحانِ،
تَنْسِجُهُ عَذارى الشِّعْرِ،
في طوباسَ، في حَيْفا وسِخْنينِ…،
*    *    *    *
لماذا الكأسُ تُغريني…؟،
وطَيْفُكِ يا يمامةَ نَجدْ،
يَرُشُّ الوَردْ،
بَريقاً في دَواويني،
يُعيدُ الشَّهدْ،
وأحلاماً مُكَسَّرَةً إلى ريقي،
فَأُصْعَقُ في سعيرِ الوَجدْ،
وتَسجنني شَراييني…،
وفي زِنْزانَتي الكَحْلا،
يُناديني،
رُضابُ القُبْلَةِ الأُولى :
ألا…فَلْتَنسجِ الأَصداءَ أسيافا،
ألا…فَلْتَبْعثِ الأَصفادَ مِجذافا،
…، يمامةُ قَلبِكَ المَغْرُوسِ في عَكَّا،
وفي يافا،
وفي أقصى فِلَسْطينِ،
تَمُدُّ اليدْ،
وثانيةً تُعيدُ العَهدْ:
هي الأَمْجادُ مَرْكبُنا وصَهْوَتُنا،
بريقُ الفَجْرِ في دَمِنا،
وهذا البُرْدُ مَلْحَمَةٌ،
تُدَثِّرُكُمْ وتَمْنَعُكُمْ،
وتَكْفِيكُمْ…، ويكفيني…!،
*    *  *  *
لماذا الكأسُ تُغريني…؟،
وفي مَدْريدَ،
في أُوسْلو،
يدانُ اللَّوزُ،
يُنفى للرَّدى ” تَمُّوزُ “،
عشتارُ التي هامتْ غِوىً بالماءِ والزَّعْتَرْ،
غَدَتْ خُنْـثى متى باعَتْ حَليلَ الحِضْنِ،
والبَيْدَرْ…،
و “أوروكُ ” التي حَفِظَتْ جميلَ الطَّلِّ،
والأَنْهُرْ،
تُقيمُ اليومَ أَعْراساً،
دَمٌ هَهُنا كما المَرجانِ والسُّكَّرْ،
وتُرْسِلُ في السَّما لمُعَاً مِنَ التَّامُورِ،
والأبـهرْ،
وفي  الأرجاءِ نَعْنَعَةً،
وأنْساماً مِنَ العَنْبَرْ…،
فَتَمُّوزُ النَّدى آتٍ،
فَتى الأَصدافِ والأَبحُرْ،
يُقِلُّ الغَيْمَ في يَدِهِ،
وفي عينيهِ مِبْخَرَةٌ،
وفي عِطْفَيهِ أرماحٌ وأشْواقٌ،
وفي التِّرياقِ مِنْ دَمِهِ،
نشيدٌ هادِرٌ أبَداً :
لَخَيلُ الصُّبحِ لا تُقْهَرْ…،
*   *    *   *
يمامةَ قَلبيَ الذَّاوي،
وزيتَ الخُلْدِ في مِشكاةِ تَكويني،
أنا ظَمِئٌ،
ومِلْحُ الكَوْنِ في حَلْقِي وفي صَدْري،
وماءُ الأَرْضِ قَاطِبةً،
بلا رُوحٍ،
وسِرُّ الرِّيِّ،
عيناكِ التي ذَرَفَتْ،
فُراتاً رائِقاً،
بُرءاً،
يُسَمَّى: نَبْعَ حِطِّينِ…!،
ألا هُبِّي،
وَصُبِّي المَاءَ في رِئَتَيَّ، واسْقيني…!.

 

مروان مُحَمَّد الخطيب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى