الخدمات الاعلامية

الحلقة الثالثة: أيام صنعت إنجازات… سنوات من نضالات جمال عبد الناصر / كتب حسن محمود قبيسي/الشراع

الشراع 30 ايلول 2023

ثانيًا – الفصائل الماركسية

لم يؤشر الخط البياني للعلاقات بين الثورة والفصائل الماركسية إلى نقطة ثابتة، بل هو مذبذب بين المشاركة فيها وتأييدها ومناهضتها ثم الذوبان في تنظيمها السياسي: «الاتحاد الاشتراكي العربي  » .

التحمت معها فترة وتحالفت مع قوى الثورة المضادة أخرى: حتى أنه في الفترة الواحدة شارك بعضها في الثورة ونددت بها أخرى. ففي حين شاركت «حدتو» بالثورة وطبعت منشوراتها وأيّدتها في بياناتها، لم تمتد فترة تأييد الحزب الشيوعي المصري لأكثر من ثلاثة أيام نتيجة لفهم مشوش للثورة وللقائمين عليها، فتحالف والماركسيون مع «الإخوان المسلمون » وضمتهم إلى بعض الأحزاب المنحلة المعادية جبهة عاشت من كانون الثاني/ يناير 1953 – تاريخ حل الأحزاب حتى عام 1955، فأيّدوا مع «الإخوان المسلمون» والوفد محمد نجيب ضد مجلس قيادة الثورة، ومع عام 1956 تحسنت العلاقات بين الثورة وبينهم وأطلق سراح غالبية الشيوعيين والمعتقلين.

أ – حدتو:

لئن اتفقت «حدتو» مع الحزب الشيوعي المصري على مناهضة الثورة بعد أشهر من قيامها، فقد اختلف موقفها عند انطلاقتها. حركة «حدتو» شاركت في إعداد وتنفيذ الثورة عبر ضباطها ومنهم أعضاء في مجلس قيادة الثورة (يوسف صديق – خالد محي الدين)، وطبعت مناشير الضباط الأحرار بعد حريق القاهرة وقام عناصرها بتوزيع منشوراتهم.

وتقديراً لدور «حدتو» قامت قيادة الثورة بإبلاغ قيادة الحركة ليلة 22 ذذذ/ 23 تموز يوليو 1952 بأن قوات الجيش على وشك التحرك لقلب نظام الملك وفرض شروطها على الملك، وقامت «حدتو» بطبع منشور يؤيد حركة الجيش باعتبارها حركة وطنية، ووزع المنشور صبيحة 23 تموز يوليو في شوارع القاهرة، وكانت «حدتو» مع «الأخوان المسلمون»أول من أيد الثورة.

لم تستمر العلاقة الوطيدة أكثر من شهر رغم أن «حدتو» رأت في ناصر ضابطاً وطنياً وحاولت تجنيده في صفوفها إلا أن قيام الثورة حال دون ذلك، وأثمرت تلك العلاقة عن اتخاذ الثورة قراراً (من أولى قراراتها) بالإفراج عن المعتقلين الشيوعيين وتم الإفراج عنهم جميعاً باستثناء سبعة عشر شخصاً.

كانت بداية الجفاء إثر مظاهرات عمالية حشدها وسار فيها عمال شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع يطالبون الثورة، وهي لم تلتقط أنفاسها بعد، وقامت من أجلهم – وأعطتهم فيما بعد ما لم يعط نظام عماله ـ قاموا يطالبون بتحقيق بعض المطالب دون مراعاة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، وقاموا بأعمال شغب وإشعال حرائق، وعندما لم يتمكن البوليس من السيطرة على الوضع تدخل الجيش الذي واجه أعمال العنف العمالية وتصدّى لها؛ ونجم عن ذلك مصرع ثلاثة جنود ومثلهم بين صفوف العمال وجرح ثمانٍ وعشرين شخصاً.

كان احتجاج «حدتو» على إخماد المظاهرات متناغماً مع تحركات خالد محي الدين ومواقف صدّيق داخل مجلس قيادة الثورة ومترافقاً مع حركة ضباط المدفعية الذي اتهم بالمشاركة فيها عضو «حدتو» أحمد حمروش واعتقاله، ثم استقالة صدّيق وتآمر خالد محي الدين مع محمد نجيب، وتنديد «حدتو» باعتقال أحمد حمروش وارتفاع أصوات شيوعية في العالم تهاجم الثورة باعتبارها «حركة رجعية فاشية تعتقل الوطنيين وتحل الأحزاب السياسية وتعادي الديمقراطية»، وكأن الأنظمة الشيوعية تسمح بتعدد الأحزاب وتتجنب اعتقال أعداء النظام وتراعي الديمقراطية.

ولأن الجفاء بين «حدتو» والثورة لم يكن قد وصل إلى حد القطيعة، بدأ التململ في صفوف أنصارها الذين انتقلوا إلى صفوف الحزب الشيوعي المصري، بانفصال أحمد فؤاد وانضمامه إلى الحزب المنافس تقهقر النشاط داخل قسم الجيش في «حدتو» ثم تم حله بقرار من اللجنة المركزية إلى أن كانت اعتقالات بعض أعضاء المكتب السياسي ل «حدتو» في نيسان/ ابريل 1953، واستكمال الحملة باعتقال أعضاء آخرين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1953.

مما دفع ب «حدتو» والشيوعيين إلى التحالف مع قوى اليمين في «الجبهة الوطنية الديمقراطية»الذي استمر إلى أن قدمت قضية الجبهة بعد اعتقال كامل أعضاء المكتب السياسي والنائب الوفدي حنفي الشريف واليوزباشي مصطفى كمال صدقي والفنانة تحية كايوكا وغيرهم … وتم الحكم عليهم، حيث أبقوا في المعتقلات من كانون الأول/ ديسمبر 1952 إلى أيار/ مايو 1964؛ مما أدّى إلى تعطيل اجتماعات اللجنة المركزية لوجود نصف أعضائها في المعتقلات.

وانتهى الأمر بانضمام أعضاء «حدتو» إلى طليعة الاشتراكيين وحل الحركة.

ب- الحزب الشيوعي المصري:

جمعت الماركسية  « حدتو» والحزب الشيوعي المصري فكرياً، وفرّقتهما النظرة إلى الثورة وقيادتها، ففيما كان لحدتو دور بارز في الثورة، وقف الحزب الشيوعي المصري – انطلاقاً من تحليلاته وتوقعاته بقيام ثورة في مصر بتخطيط ودعم أميركا، ومن نظرة الاتحاد السوفياتي السلبية إليها موقفاً سلبياً، فهو لم يعلم بقيام الثورة إلا من الإذاعات والصحف، فانطلق يزايد عليها ويتصرف قناعة منه أن مواقفه توقفه على يسار الثورة. ويقول سكرتيره د. فؤاد مرسي أنه أصدر منشورين الأول للجيش والثاني للشعب يطالب بالإفراج عن المسجونين والمعتقلين ومواصلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإنكليزي وإعلان النظام الجمهوري.

وعندما قررت الثورة إخراج الملك دون محاكمة وهو ما طالب به الحزب الشيوعي المصري، أسفر الحزب عن معاداته للثورة بعد ثلاثة أيام من قيامها؛ معلناً أنها حركة عسكرية ستسير في اتجاه فاشي لمصلحة أعداء البلاد والاستعمار الأنغلو – أميركي.

« حدتو» مع الثورة والحزب الشيوعي المصري ضدها (مما دفع عبد الناصر للاستفسار من أحمد فؤاد) عضو قيادة « حدتو» عن التناقض في موقف الماركسية، لأنه يصعب تفسيره للجماهير مطالباً بموقف موحد للماركسيين المصريين.

وحّد الماركسيون المصريون موقفيهما من الثورة وانحازوا إلى صفوف أعدائها إلا في بعض المعارك الوطنية: مقاومة العدوان الثلاثي والأحلاف وكسر احتكار السلاح. وخفّت حدة العداء بعد تقارب مصر مع المعسكر الاشتراكي.

لم تحسم وحدة الشيوعيين عام 1958 موقف الشيوعيين المصريين من الثورة وبقيت تيارات، واحد يرى فيها نظاماً رأسمالياً احتكارياً يماشي الاستعمار، وآخر يعتبرها شريحة برجوازية وطنية صغيرة.

انتهى الأمر بقيادة وكوادر واعضاء الحزب الشيوعي – كما عند حدتو- في «طليعة الاشتراكيين» (نخبة اعضاء التنظيم السياسي للثورة).

ثالثًا « الإخوان المسلمون»

أ –  الصراع بعد التعاون:

رغم العلاقة الطيبة التي شدّت جمال عبد الناصر إلى حركة «الإخوان المسلمون » قبل الثورة، حتى اتهمته السلطات بالاتصال بالشيخ حسن البنّا والعمل في منظماتهم السرية وتدريب مقاتليهم الذين اشتركوا في حوادث عهد إبراهيم عبد الهادي، وكاد يعاقب لو لم ينف تلك الاتهامات ويفنّدها معترفاً بأنه درّب متطوعين للقتال في فلسطين وأن ذلك واجباً قومياً لا يُلام عليه، مما أثار تساؤلاً عند أحد الصحافيين فوجّه إليه سؤالاً، في معسكر إعداد قادة منظمة الشباب الاشتراكي العربي بحلوان في تشرين الثاني/ نوفمبر 1965، عن صحة ما شاع بأنه كان عضواً في جماعة     « الأخوان  المسلمون »  رد عليه عبد الناصر:

«أنا قبل الثورة كنت على صلة بكل الحركات السياسية الموجودة في البلد، يعني مثلاً كنت أعرف الشيخ حسن البنّا لكن ما كنتش عضو في الإخوان … كنت أعرف ناس في الوفد وكنت أعرف ناس من الشيوعيين… كان المبدأ الأساسي أن نكون على اتصال بجميع الهيئات السياسية، ولكن لا ننضم إلى هيئة ولا نعطي فرصة لأي هيئة سياسية أن تستغلنا.  »

إلا أن فهم عبد الناصر لدور الدين السياسي وحصره في التحول الاجتماعي وحذره من استغلال القوى الدينية له في السياسة الداخلية والخارجية، وإيمانه بالقومية العربية العلماني (في جوهره)  جعل من الإخوان المسلمين أعنف خصومه السياسيين.

فالصراع المستمر بين ناصر و«الإخوان المسلمون كان خلافاً سياسياً لا خلافاً حول الدين أو الإيمان أو المعتقدات الإسلامية، صحيح أن الأخوان شاركوا بقيام الثورة ونزلوا صبيحتها يحمون الوزارات والإدارات والمرافق العامة، وأنهم أيّدوا الثورة بعد خروج الملك – ورأوا فيها تحقيقاً لأهدافهم- وزايدوا، كما الحزب الشيوعي المصري عليها فأصدروا بعد أسبوع من قيامها بياناً طالبوا فيه بأن لا يكون التخلص من الملك نهاية المطاف، بل لا بد من إلغاء كافة القوانين الرجعية التي تكبّل الحريات والقضاء على التفاوت الطبقي بالحد من الملكيات الكبيرة واستكمال سن التشريعات الاجتماعية والعمالية بتكوين الاتحادات النقابية، والمطالبة بتمصير البنك الأهلي.

إلا أنهم اصطدموا بقانون الإصلاح الزراعي، فطالبوا برفع الحد الأقصى للملكية إلى خمسماية فدان بدلاً من المائتين التي نص عليها القانون المذكور، وكان ذلك أول خطوة في طريق الصراع مع الثورة.

اشترطوا على قيادة الثورة عدم إصدار أي قرار إلا بعد مشورتهم، مقابل موافقتهم على الاشتراك بالوزارة، إلا أن عبد الناصر رفض وأبلغ مرشدهم الهضيبي أن الثورة ستشاور في السياسة العامة مع كل المخلصين من أهل الرأي دون التقيّد بأي حزب أو منظمة.

لم يرتح الهضيبي لعبد الناصر ولا لجوابه، وشعر الإخوان المسلمون أن الثورة لا تسير على هواهم، ورأوا في اشتراكهم بالحكومة بعدد قليل من الوزراء يفيد الثورة أكثر ما يفيدهم ويحمّلهم تبعات قراراتها ومسؤولياتها، كما تخوّفوا من انحسار شعبيتهم إذا ما أصبحوا جزءً من حكومة علمانية، وهم دعاة حكم إسلامي من منظورهم الخاص بالإسلام.مما جعلهم يناورون أثناء تشكيل الحكومة، بعدما رشّح الهضيبي أحمد حسن الباقوري وأحمد حسنين وكيل وزارة العدل ومحمد كمال الديب محافظ الإسكندرية لاختيار وزيرين من بينهم، وبعدما تم إبلاغ الأوليين، أبلغ عبد الناصر سليمان حافظ أن حسن العشماوي ومنير الدلة قد حضرا كموفدين من الهضيبي ليبلغاه أن اختيار الإخوان وقع عليهما، وإن ترشيح الباقوري وحسنين والديب كان ترشيحاً شخصياً من المرشد العام لا من مكتب الإرشاد.

كان الاعتذار من الباقوري وحسنين محرجاً، إضافة إلى أن سليمان حافظ رأى في العشماوي والدلة أنهما صغيري السن، فكان لا بد من اختيار أحد الموقفين: إما اشراكهما وإما قبول موقف مكتب الإرشاد بحال عدم تعيينهما: عدم المشاركة في الحكم. وهو ما كان، مما أوجد حلقة ثانية في مسلسل صراع الإخوان مع الثورة مع الاحتفاظ بالعلاقة بينهما.

وترسّخت بعد إصدار عفو خاص في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1952 أفرج بموجبه عن مغتالي المستشار أحمد الخازندار، رئيس محكمة جنايات القاهرة التي أدانت بعض جرائم الإخوان، وعن مغتالي محمد فهمي النقراشي الذي أصدر قراراً بحل جماعة الإخوان، وعدد من المحكوم عليهم في قضية قنابل مدرسة الخديوية.

ب – الإخوان وقانون الأحزاب وحلها

حال تعاون «الإخوان المسلمون مع الثورة قبل وبُعَيد قيامها وشعبيتهم، ومحاولة دفعهم لحصر اهتمامهم بالشؤون الدينية، دون شموليتهم بقانون الأحزاب الذي نص في فقرته الثانية من مادته الأولى:

«لا يعتبر حزباً سياسياً الجمعية أو الجماعة التي تقوم على محض أغراض علمية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية »

فهم «الإخوان المسلمون الرسالة وحاولوا استيعابها، فدار نقاش بينهم انتهوا منه إلى حل وسط يقضي بفصل العمل الديني عن العمل السياسي، إلا أنهم لم يلتزموا وأصرّوا على أن الإسلام دين ودولة، فأصرّ محمد نجيب على تطبيق قانون الأحزاب عليهم، ورفض عبد الناصر مذكراً بدور الجماعة ومعاونتها «الضباط الأحرار» .

تقدم حسن أحمد المليجي ود. خميس حميدة وفهمي أبو غدير بطلب حق تشكيل الجماعة ببيان جاء فيه:

«الإخوان المسلمون جند الله، حينما يتناولون أمر هذا الدين فإنهم لا يستهدفون إلا ما استهدفه الإسلام، ولا يتوسلون بلوغ هذه الأهداف إلا بالوسائل التي يقرها الإسلام».

وعومل طلبهم معاملة خاصة، اتصل عبد الناصر بسليمان حافظ معيداً على مسمعه فحوى ما قاله لنجيب:

« إن الجماعة كانت من أكبر أعوان الحركة قبل قيامها وأنها ساهمت بنصيب كبير وما زالت تقدم لها العون المستمر »، طالباً منه إيجاد مخرج للجماعة، كما التقى في مكتب حافظ مع حسن الهضيبي وتم الاتفاق على إدخال تعديل في إخطار التأسيس يصنّف الجماعة في غير خانة الأحزاب.

ورغم صدور قانون حل الأحزاب بقي «الإخوان المسلمون يمارسون نشاطاتهم السياسية، وتابع عبد الناصر تحركاتهم بعين ساهرة وحذر شديد منتبهاً إلى أدوارهم التخريبية ولقاءاتهم مع المستشار الشرقي في السفارة البريطانية، وتغلغلهم داخل صفوف الجيش والشرطة.

ج – الإخوان والإنكليز في زمن الثورة:

تناقضت العلاقات الانكليزية الإخوانية أيام مفاوضات الجلاء التي دارت بين مجلس قيادة الثورة والمحتل البريطاني.

فهم من ناحية يزرعون القنابل في مواقع بريطانية ليبرهنوا للاحتلال أنهم ذوو قوة وشأن، وأن عليه مفاوضتهم وعدم حصر المفاوضات مع مجلس قيادة الثورة   ومن ناحية ثانية يلتقون بالمستشار الشرقي للسفارة البريطانية لقاءات مشبوهة.

جرت سبعة لقاءات في فترة امتدت ما بين نهاية آذار/ مارس 1953 ونيسان/ أبريل وأيار/ مايو 1953، وكانون الثاني/ يناير 1954 بين

«الإخوان المسلمون » والمستشار الشرقي في السفارة البريطانية إيفانز و”كرزويل”، رصدتها المخابرات العامة والمخابرات الحربية: مقابلتان في منزل الدكتور محمد سالم في المعادي حضرهما إيفانز عن الجانب البريطاني، ومن الإخوان المسلمين منير الدلة وصالح أبو رقيق، واثنتان في منزل إيفانز حضرهما الدلة وأبو رقيق أيضاً، ثم مقابلة خاصة في منزل المرشد العام بينه ودله وبين إيفانز. واثنتان تمتا في يوم واحد في شهر كانون الثاني/ يناير 1954، على فترتين الأولى من السابعة صباحاً حتى الظهر، والثانية من الرابعة عصراً حتى الحادية عشر ليلاً، وكانت بين حسن عشماوي و«كروزويل»الوزير المفوّض للسفارة البريطانية، تطابقت الآراء في هذه الاجتماعات وتمسّكت بريطانيا بمضمونها:

ترتبط عودة الإنكليز إلى قناة السويس في حال قيام حرب، بناءً على توصية مشتركة مصرية بريطانية على أن يقرر خطر الحرب الأمم المتحدة.

وبما أن عبد الناصر كان على علم بتحركات الإخوان المناوئة للثورة، قرّر حل جماعتهم بقرار صادر عن مجلس قيادة الثورة، باعتبارهم حزباً سياسياً وبالتالي يطبّق عليهم قانون حل الأحزاب.

ردّوا بتصعيد موقفهم منه والانحياز إلى محمد نجيب وعرقلة مفاوضاته مع المحتل البريطاني ، الذي وضح تعاطفه معهم أثناء محاكمتهم في التقرير المؤرخ 11 / 12 / 1954، والمحفوظ تحت رقم:

«F.O 371 / 10839 (JE 1016 / 24)»

ومع ذلك حرص عبد الناصر على ألا يصل إلى قطيعة معهم، فقام بعد قرار الحل بزيارة قبر مؤسس جماعتهم حسن البنّا في الذكرى الخامسة لاغتياله.

د- التصادم:

استمر «الإخوان المسلمون » في تصعيد خلافاتهم مع الثورة ممثلة بجمال عبد الناصر، وأصبح الصدام وشيكاً وحتمياّ تغذّيه تخوّفات مجلس القيادة من نشاطات «الإخوان المسلمون » المناوئة، وتبلور تيار داخلهم يغذي الخلافات ويدير تلك النشاطات عاملاً على خلق تشكيل جهاز سري مسلح للتصدي وللثورة وللضغط على إخوانهم  في الجماعة.

وكان «الإخوان المسلمون » قد اختلفوا فيما بينهم عند قيام الثورة، وهذا ما قد يكون سبباً في تأخر إعلان دعمهم للثورة إلى ما بعد خروج الملك، حول قضيتان:

أ – التعاون مع الثورة ونادى به حسن العشماوي ومنير الدلة وأحمد حسن الباقوري.

بينما رفض ذلك حسن الهضيبي وسعد الوايلي ويوسف طلعت والشيخ محمد فرغلي وعبد القادر عودة وإبراهيم الطيب.

ب – بقاء النظام السري أو زواله، أيدت فئة بقاءه لأنه أنشئ لحماية الجماعة من بطش نظام لا يعتمد على القانون، و«الإنقلاب»… نظام عسكري قد ينكّل بالجماعة.

ورأت فئة أخرى أن استمرار النظام السري قد يستفز هذا النظام، ويعجل بالضربة الموجهة إلى الجماعة.

لم تنجح اللقاءات الدورية التي كانت تعقد بين عبد الناصر وبعض زملائه من جهة، وبين عبد القادر عودة وكامل الشريف في نزع فتيل الانفجار المرتقب.

وكان الانفجار ….

شرارته الأولى كانت تفجير الموقف في ساحة الجامعة يوم 12/ 1/ 1954 أثناء الاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة، حيث وقع اشتباك بين طلاب «الإخوان المسلمون » والطلبة الآخرين، واستعمل طلبة «الأخوان» الأسلحة النارية والعصي مما أثار جواً من العنف والبلبلةوخوفاً من امتداد الاشتباكات إلى الشارع عمد مجلس قيادة الثورة (رغم رفض محمد نجيب) الذي أثار زملاؤه توجسّهم من تحالف بين الإخوان واللواء محمد نجيب، إلى حل الجماعة يوم 15 كانون الثاني/ يناير 1954، وأصدر بياناً اتهم فيه«الإخوان المسلمون » :

1 – تقاعس المرشد العام عن تأييد الحركة إلى ما بعد خروج الملك.

2 – عدم تأييد قانون الإصلاح الزراعي، والمطالبة برفع الحد الأقصى للملكية في حال التطبيق إلى خمسماية فدان.

3 – محاولة فرض وصاية على الثورة بعد حل الأحزاب السياسية.

_معارضة هيئة التحرير (تنظيم الثورة السياسي).

5 – التسلل إلى الجيش والشرطة ومحاولة خردقتهما بتشكيل وحدات بإشراف مباشر من المرشد العام.

6 – تشكيل جهاز سري جديد بعد حل الجهاز السري الذي كان يشرف عليه عبد الرحمن السندي من أيام البنّا.

7 – اتصال منير الدلة وصالح أبو رفيق ثم حسن الهضيبي (بتدبير من محمد سالم مع السيد إيفانز) المستشار الشرقي للسفارة البريطانية في القاهرة رغم اعتراض عبد الناصر في حينه على تلك الاتصالات.

8 – زيارة حسن العشماوي يوم الأحد 10 كانون الثاني/ يناير 1954 لكروزويل الوزير البريطاني المفوّض في القاهرة، ثم زيارة أخرى في نفس اليوم إمتدت حتى العاشرة ليلاً.

وفي نفس الوقت تم اعتقال المرشد العام حسن الهضيبي مع أربعمائة وخمسين عضواً من الجماعة في العاصمة والأقاليم، وأعلنت وزارة الداخلية أنها ستفرج عن كل عضو بريء، وفعلاً تم الإفراج على دفعات، بعد وساطة الملك السعودي المشروطة بتجميد نشاطاتهم الطالبية.

لم تدم مدة الاعتقال طويلاً، أفرج عنهم بعد قرارات 5 آذار/ مارس؛ كان حسن الهضيبي أول المفرج عنهم، زاره عبد الناصر ليلاً في منزله، وعاد «الإخوان المسلمون » لإستئناف نشاطاتهم، وصرح الهضيبي «إن الجماعة قائمة وهي أقوى مما كانت … »

وحاولت أن تثبت ذلك …

كان الإفراج وإلغاء قرار الحل ضربتي معلم، انقلب «الإخوان المسلمون » من صفوف مؤيّدي محمد نجيب إلى مؤيّدي قرارات مجلس القيادة 5 آذار/ مارس، وهادنوا عبد الناصر لفترة  قصيرة، وانتهت باشتباكات أواخر آب/ أغسطس 1954 بين الشرطة والإخوان المسلمين ،عندما وقف حسن دوح بعد صلاة الجمعة يحرّض الجماهير على الثورة داعياً للعنف، وكانت معلومات قد وصلت إلى المخابرات الحربية صيف 1954 عن تنظيم لصف ضباط في سلاح الفرسان يوزع مناشير تحرّض على مقاومة «الضغط الهابط من مجلس قيادة الثورة»، وتطالب بترقية الصف ضابط إلى رتبة ضابط بعدما تم اعتقالهم، عرف منهم أعضاء التنظيم السري للإخوان في القوات المسلحة فاعتقل أفراده: عدد من ضباط الطيران وسبعة عشر صف ضابط …، كانت هدنة غير معلنة بين الثورة والإخوان، فلا الثورة حاكمت المعتقلين ، ولا الجماعة طالبت بالإفراج عنهم حتى لا تثبت علاقتها بهم.

كانت قمة المواجهات الأولى مفاوضات الجلاء، حيث حاول «الإخوان المسلمون » الالتفاف على قيادة الثورة، تحدث عنها عبد الناصر إلى أعضاء مجلس إدارة فروع هيئة التحرير في 21 / 8 / 1954، قائلاً: «كانت هناك مفاوضات بين الهضيبي والمستشار الشرقي إيفانز، قابلت الهضيبي بعد أن علمت بأمر اللقاءات في بيت منير الدلة بالدقي، وقلت لهم قبل أن تبدأوا الكلام مع الإنكليز عليكم أن تعرفوا رأينا حتى لا تتنازلوا عن شيء، وسمعنا رأيهم وناقشناهم، ولكن قبلوا من الإنكليز ما رفضنا نحن في هذه الاتفاقية»ثم انتقل للحديث عن الهضيبي وعن جماعته «هذا الرجل الذي يبدي الحرص على دعوة الدين، هل ينكر اليوم أنه جلس معي في أبريل وأنه قَبِل أقل من هذه النقط … لقد كنت أترك لهم الحبل على الغارب لأصل إلى أكثر مما يقولون … هذه المعارضة للحقد وللهدم وللبغضاء والمصلحة الخاصة تحت اسم الدين والإسلام، ويعارضون؟ إنهم يعارضون النظام الحاضر ويقولون أنّ الإسلام غايتنا … لا بل الحكم غايتهم وليس الدين … الدين عندهم ليس إلا وسيلة للوصول إلى الغرض وهو الحكم».

صعّدوا هجومهم واختفى معظم قادتهم مما أعطى انطباعاً أنهم قادمون على عمل خطير ويخشون من ردة فعل الحكومة، وأخذوا يصدرون نشرات سرية يهاجمون فيها عبد الناصر ويتهمونه بالعمالة لبريطانيا وللاستعمار، ويؤكدون أن الاتفاقية لن تمر. فعمدت الدولة إلى ملاحقة الهضيبي وجماعته، وألقي القبض على مجموعة منهم وفشلت في اعتقاله هو.

انتهت المواجهة بمحاولة اغتيال عبد الناصر؛ وكان للجريمة عقابها.

 ه – محاولة اغتيال عبد الناصر

كان اغتيال عبد الناصر هدفاً مركزياً يطغى على مجموعة أهداف: اغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة (باستثناء محمد نجيب) والتخلص من أكثر من مئة وخمسين ضابطاً اغتيالاً أو خطفاً من منازلهم، والقيام بتفجير المنشآت ومرافق عامة في القاهرة والإسكندرية ،وفي بعض المحافظات في ذات الوقت … والغاية القصوى الاستيلاء على الحكم.

كيف تمت المحاولة كما كشفت وماذا بعدها؟

ترك توقيع اتفاقية الجلاء مع الإنكليز في 19/ 10/1954 بلبلة في صفوف الجماهير خلقتها الأحزاب المنحلة و«الإخوان المسلمون » . ورأى عبد الناصر أن يلتقي مع الجماهير مباشرة لشرح الظروف التي أملت توقيعها وما ستجنيه مصر منها، ووجدها « الأخوان  المسلمون » فرصتهم للتخلص من الثورة وقائدها.

إلقاء كلمته أثناء محاولة اغتياله

كان اللقاء مساء 26/ 10/1954 في ميدان المنشية بالإسكندرية. ما أن هم عبد الناصر بإلقاء كلمته حتى أطلق محمود عبد اللطيف الجالس في الصفوف الأمامية على بعد خمسة عشر متراً من المنصة الرسمية تسع رصاصات من مسدسه، أخطأت عبد الناصر وأصابت ميرغني حمزة وزير السودان والمحامي أحمد بدر الذي كان يقف بجانب عبد الناصر. وفيما كان ضباط من الشرطة يلقون القبض على عبد اللطيف تابع عبد الناصر خطابه بإصرار وثبات لتهدئة الجماهير التي انهالت على الجاني بالضرب:

«أيها الرجال، فليبق كل في مكانه …. حياتي لكم، دمي فداء لمصر، أتكلم إليكم بعون الله، بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ، إن حياة جمال عبد الناصر ملك لكمعشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملاً من أجلكم وفي سبيلكم».

شنّت السلطات المصرية حملة اعتقالات واسعة بحثاً عن «الإخوان المسلمون » ، وأجري تحقيق أولي مع محمود عبد اللطيف الذي اعترف أنه أقدم على فعلته بعدما أقنعه محامي إخواني: هنداوي دوير بأن اتفاقية الجلاء ليست بمستوى تطلعات الشعب المصري بعد نضاله الطويل، وأنها كلفت مصر أعباء طائلة وستضعها تحت رحمة الاحتلال الإنكليزي.

ناصر بين  الجماهير

دُوهمَ منزل المحامي، لم يكن لا هو ولا أي من أفراد عائلته موجوداً، وظهر فجأةً في قسم إمبابة بعدما سمع من الإذاعة أنباء المحاولة وفشلها، فأيقن أن الجاني سيعترف عليه، لذا سارع لاصطحاب زوجته إلى منزل أهلها لتبقى هناك، وتوجه هو إلى قسم إمبابة ليسلم نفسه للشرطة.

شكلت محكمة لمحاكمة المتهمين وثبت من خلال التحقيقات والاعترافات أن الجريمة مقررة مركزياً وعلى أعلى المستويات، وروعيَ وضع خطط بديلة في حال فشلها، وهدفها الاستيلاء على الحكم بعد التخلص من القيادات العقبات. تمت المحاكمة على أساس العناصر التالية:

أولاً: كان هناك جهاز سري مهمته القيام باغتيالات سياسية.

ثانياً: كانت هناك مخازن للأسلحة.

ثالثاً: كان هناك تمويل خارجي.

رابعاً: اعترف محمود عبد اللطيف كتابة بأن هنداوي دوير المحامي سلمه «الطبنجة» التي استخدمت في محاولة اغتيال جمال عبد الناصر بميدان المنشية بالإسكندرية، في مكتب عبد القادر عودة وبعلمه، وكان من المفروض أن تنفذ عملية الاغتيال لجمال عبد الناصر في ميدان الجمهورية بالقاهرة، ثم استبدلت الخطة لتتم في ميدان المنشية بالإسكندرية.

اعترف محمود عبد اللطيف كتابةً بخط يده (وثيقة موجودةبأن هنداوي دوير قال له في بيعة خاصة ما يلي:

«أن الله يحب أن يرى هذا الدم الساخن في سبيل الله … »

خامساً: سلم هنداوي دوير نفسه للسلطات، واعترف بمحض إرادته ومن تلقاء نفسه بـ:

1 – أنه تلقى تعليمات مكتوبة باغتيال جمال عبد الناصر تطلب منه تكليف محمود عبد اللطيف بتنفيذ هذه العملية.

2 – تقضي أيضاً باغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة باستثناء محمد نجيب، وتنفّذ هذه التعليمات بعد اغتيال جمال عبد الناصر.

3 – التخلص من أكثر من 150 ضابطاً إما بالاغتيال وإما بالخطف من منازلهم.

4 – أنه سلم محمود عبد اللطيف «الطبنجة» التي نفذت بها محاولة الاغتيال بحضور عبد القادر عودة في مكتبه.

– 5 – بعد تنفيذ الاغتيالات والخطف تقوم جماعاتان من «الإخوان المسلمون » بالسيطرة على مرافق الدولة.

6 – يعقب ذلك تشكيل مجلس يتولى إدارة شؤون البلاد (بديلاً لمجلس الثورة) منهم عبد الرحمن عزام ومحمد العشماوي باشا الذي كان وزيراً للمعارف وهو والد حسن العشماوي.

7 – كان هناك تكليف آخر مشابه لتكليف محمود عبد اللطيف، عُهدَ به إلى الطالب بكلية الحقوق ناصر الخضيري لاغتيال جمال عبد الناصر في أي وقت أو أي مكان يراه مناسباً.

سادساً: تقوم جماعات منتقاة من الجهاز السري بنسف وتدمير منشآت إستراتيجية في القاهرة والإسكندرية وفي بعض المحافظات في ذات الوقت.

سابعاً: وضعت خطة رديفة بحال فشل اغتيال جمال عبد الناصر بإطلاق الرصاص عليه : يرتدي أحد الإخوان المسلمين حزاماً ناسفاً من المتفجرات ويندسّ بين المواطنين أثناء لقائهم بجمال عبد الناصر، إما في مجلس قيادة الثورة أو في مبنى مجلس الوزراء، ويقوم الشخص المكلف بالعملية باحتضان جمال عبد الناصر فيفجّر الحزام الناسف بهما.

سبق أن جرّب الجهاز السري ل«الإخوان المسلمون » الحزام الناسف في أحد أعضائهم، وهو المهندس فايز عبد اللطيف سنة 1953.

ثامناً: دبّر أبو المكارم عبد الحي (وكان ضابطاً في الجيش والمسؤول في الجهاز السري للإخوان المسلمين في القوات المسلحة) مؤامرة لنسف الطائرة التي كان يستقلها جمال عبد الناصر في تنقلاته.

تاسعاً: أعيد تنظيم الجهاز السري سنة 1953 وتولى قيادته يوسف طلعت، الذي كان أحد المديرين الرئيسيين لمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية.

أما لماذا استثناء اللواء محمد نجيب فهناك احتمالان، إما للحفاظ على حياته وإما لاستعماله بذات الدور الذي استعمله فيه «الضباط الأحرار»، وهو قد أقنعه بلا شك، في حال وصلوا إلى السلطة.

صدرت أحكام متفاوتة بالسجن والأشغال العامة على المتهمين، وعدّل الحكم بحق حسن الهضيبي والشيخ محمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وعبد القادر عوده وهنداوي، من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

كانت الضربة موجعة تكفلت بتجميد نشاطاتهم وأعادت الهدوء إلى الحياة العامة، بعدما تم إلقاء القبض على 70 % من سبعمائة إرهابي إخواني، وتصدّى الطلبة الناصريين لطلبة الإخوان في الجامعة.

في فترة لاحقة أصدر عبد الناصر قراراً بالإفراج عنهم وصرف جميع مستحقاتهم. صدر قانون بذلك من مجلس الأمة ينص على أن يعاد لجميع من أفرج عنهم حقوقهم كاملة ويعودون إلى وظائفهم.

نعود إلى محاولة الاغتيال وانعكاساتها على الجماهير المصرية، التي رأت فيها محاولة آثمة استهدفت رمز تحرّرها من النير الملكيوارتفعت شعبية عبد الناصر بين المصريين الرافضين لإرهاب الإخوان المزمن، وأن يكون الرصاص لغة التفاهم مع أبناء الثورة البيضاء ثورة 23 يوليو.

أمام المد الجماهيري عمد « الأخوان  المسلمون » لبثّ إشاعات مغرضة، فيها أن عبد الناصر قد اشترى سترة واقية قبل الحادث لتمثيل مسرحية اغتياله للتخلص منهم وإلهاء الناس عن التفكير بمشاكل البلدوالواقع أن حسن التهامي قد أهدى عبد الناصر بعد عودته من سفره سترة واقية لكن عبد الناصر غضب منه ورفضها، ولم يستخدم أي سترة واقية طوال حياته لايمانه بأن الأجل لا مفرّ منه. من ناحية ثانية كان عبد الناصر حريصاً على إشراك المواطنين في حل مشاكل مصر؛ لذا أنشأ التنظيمات الشعبية وحرص على لقاء الجماهير بشكل مستمر والاستماع إلى شكاويهم. حرص «الإخوان المسلمون » على تآمرهم ضد مصر وثورتها وشعبها كما تجلى في مؤامرتهم عام 1965.

و – مؤامرة 1965:

وصلت الثورة بقيادة عبد الناصر إلى مدى أزعج الإمبريالية والاستعمار والرجعية العربيةفبعد الإطاحة بالملكية وقيام الثورة وتحرير الفلاحين بقانون الإصلاح الزراعي والعمل بالقرارات الاشتراكية وتأميم قناة السويس، وتشييد السد العالي وإرساء قاعدة صناعية ضخمة ساعدت على تنمية مصر، وهزيمة العدوان الثلاثي وإسقاط حلف بغداد، وقيام الجمهورية العربية المتحدة، وثورة اليمن، وبعد انتصار ثورة الجزائر وبزوغ نجم عبد الناصر في مؤتمر باندونغ ومساهمته في تحرير كثير من بلدان العالم، بعد كل تلك الانتصارات رأت القوى المعادية لمصر وثورتها أن تتخلص من النظام الثوري في مصر وقائده، فأعدّت مؤامرة حدّد عبد الناصر أطرافها وأهدافها في اجتماع مع الطلبة العرب في موسكو يوم 29/ 8/1965:

«بنيجي الشهر ده نمسك مؤامرة من«الإخوان المسلمون » في مصر وتلاقيهم عاملين تنظيم سري وعندهم سلاح وجاي فلوس من سعيد رمضان من الخارج، دليل على أن الاستعمار والرجعية تساعد الإخوان المسلمين علشان يتغلغلوا في الداخل…».

فتخطيطها وتمويلها وتسليحها وأسلوب التنفيذ كان أجنبياً ومخططاً ومدروساً قبل سنوات من محاولة تنفيذها واكتشافها، تقف وراءها المخابرات المركزية و«MI6» والمخابرات الألمانية الغربية وبعض الدول العربية، التي أمنت ساحة لقاءات «الإخوان المسلمون » المتواجدين منهم في مصر مع الفارين خارجها، حيث كان يتم تداول المعلومات والاتفاق على وسائل وأماكن وتواريخ تهريب الأسلحة والمتفجرات والتمويل، كما أثبتت الوثائق الموجودة لدى الأجهزة الأمنية المصرية بهدف مشاغلة الثورة بمشاكل داخلية وتعطيل تنمية مصر إذا فشل المتآمرون في التخلص من عبد الناصر.

أما أدوات المؤامرة وخططها كما تحفظها الوثائق والتسجيلات:

– خطط تفصيلية بخرائط و«كروكيات  « لجميع الأهداف الإستراتيجية في مصر.

– جماعات مسلحة مزوّدة بأدوات لنسف المصانع والجسور والطرق الرئيسية، والتركيز على الطرق التي سيسلكها موكب عبد الناصر، ومحطات الكهرباء ومحولات السد العالي.

– خطط اغتيال لكافة القيادات المصرية وضباط القيادات العسكرية والأدباء ورجال الأعلام وأهل الفن.

ومما يؤكد ضلوع بعض الأنظمة العربية بالمؤامرة ويوضح أهدافها، ما جاء على لسان عبد الناصر رداً على تصريح الملك السعودي فيصل أثناء المفاوضات المصرية – السعودية بشأن اليمن التي بدأت في آب/ أغسطس 1965، قال فيه بتأجيل المفاوضات لأن لمصر مشاكل داخلية تعيقها عن متابعتها:

«إذا كان بيقصد العملاء فهو يعرف أن مؤامرات “الأخوان” كانت مدفوعة، مدفوعة من حلف بغداد ومن السعودية ومن الرجعية العربية، والناس اللي قائمين على شؤون «الإخوان المسلمون » في الخارج باعوا أنفسهم لكل واحد يقدروا ياخدوا منه فلوس، لكل عدو لمصر وأصبحوا فعلاً عملاء للاستعمار.

أما كيف اكتشفت؟

يروي سامي شرف أن أعضاء في الاتحاد الاشتراكي العربي (في محافظة الدقهلية)رصدوا نشاطاً لجمع تبرعات قيل إنها لعائلات                         «الإخوان المسلمون » وبمتابعة الموضوع اكتشف أن هذه الأموال كانت لإعادة تنشيط الجماعة وتجنيد عناصر جديدة غير معروفة لدى الأجهزة الأمنية، التي بدأت تنشط لمراقبة نشاطات «الإخوانالمسلمون » فوق كل الأراضي المصرية، فرصدت عمليات تحويل أموال أجنبية وتوريد أسلحة.

في تلك الأثناء صادر الأزهر كتاب «معالم على الطريق» وفيه نعت للمجتمع المصري أنه مجتمع جاهلي، إلا أن عبد الناصر سمح بنشره بعد الإطلاع عليه، فطبع أربع طبعات، دون دعاية له، مما جعل عبد الناصر شخصياً يشك بأن وراء العملية تنظيم، وأن النشاطات أبعد ما تكون عن جمع تبرعات كما التقرير الأولي للأجهزة الأمنية.

واكتشف التنظيم الطليعي (أواخر تموز/ يوليو 1965) تكثيف النشاط الإخواني، كما اكتشف شخص مسلح بين المصلين في جامع الأزهر، حيث كان من المفروض أن يصلي عبد الناصر فقبض عليه وبدأ التحقيق.

ورد تقرير من (ش – ع) يفيد أن «الإخوان المسلمون » يجنّدون شباباً من المساجد، كما تزايد نشاط أحد قياديي«الإخوان المسلمون » «سعيد رمضان»، وكثّفت المراقبة عليه في ألمانيا الغربية، فتبين أنه حصل من أحد القادة العرب على مئتين وخمسين ألف جنيه استرليني للتخريب على الثورة.

وشددت المراقبة على عناصر إخوانيين هاربين في إيطاليا وسويسرا وبعض الدول العربية، حتى اكتملت خيوط المؤامرة وألقي القبض على المشاركين، ثم أفرج عن معظمهم بعد نكسة ال 67 في محاولة لرص الصفوف، ولم يبق في السجون حتى تاريخ 15/ 5/ 70 سوى مئة وأربعين معتقل على ذمة القضية.

وكانت قمة الخيانة الوطنية اعتبارهم هزيمة ال 67 انتقاماً وثأراً إلهياً لدم السيد قطب الذي أعدم قبل عام من الهزيمة، ورفضوا بالتالي المشاركة في مقاومة الاحتلال الصهيوني.

مجلة الشراع

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi