الخدمات الاعلامية

كتب شاعر فلسطين الاديب الاستاذ مروان الخطيب/ويبقى الشِّعرُ كَ”أنتِ”، كَغَزَّة

ويبقى الشِّعرُ كَ”أنتِ”، كَغَزَّة…!*

“الشاعر الكبير هو من يجعلني صغيراً حين أكتب، وكبيراً حين أقرأ”
محمود درويش
*****
يبقى الشِّعرُ هواءَ وماءَ الإبداع، وتلكَ المساحةَ المخضلَّةَ بالإباءِ والوفاء، والمدى المفتوحَ على البوحِ والصَّفاءِ والنَّقاء، وأبجديَّةَ الكلمِ السَّابحِ والسَّاجدِ في مراقي السَّماء…!.
يبقى الشِّعرُ، نُزُوفَ الرُّوعِ، وتحاليقَ الوجدان، والمدى المعلوليَ بينَ أقانيمِ النَّفسِ، ومعارج الفلسفةِ، والبقعةَ المضيئةَ التي تغزلُ ثوبَها الأُرجوانيَّ على منوالِ الخَفْقِ، وفي منسَرَحاتِ النَّفسِ ولواعجِها التي تستقي دمها من أحمرِ القلبِ وأبيضِ الجِبِلَّةِ، والأسودِ الرَّاقي المتأتي من عتقِ وأصالةِ البُرقوقِ وشقائقِ النُّعمان…!.
ويبقى الشِّعرُ، خميرةَ الكَلِمِ المُمَوسقِ النَّابعِ من ثُنائيَّةِ الحُزنِ والفرحِ، والذي يحملُ في طَيَّاتِهِ وكُنهِهِ أحوالَ النَّفسِ الشَّاعرةِ والأنفسِ الباعثةِ على ولادةِ القصيدِ في كلِّ أحوالِها المتضادَّةِ، وهي تشقُّ سبيلَها في معتركِ الأيامِ والحياة، تماماً كما قالَ ذاتَ يومٍ جِبران خليل جِبران: “ليسَ الشِّعرُ رأياً تعبِّرُ الألفاظُ عنه، بل أنشودةٌ تتصاعدُ من جرحٍ دامٍ أو فم باسم”. نعم، هو ذا الشِّعرُ: نشيدُ النَّفسِ وهيَ تعانقُ جراحَها وأوجاعَها وآلامها، أو هو ذلكَ الألقُ الرَّاشحُ من شَغَافِ القلبِ المبتسمِ فرحاً وشوقاً، جَرَّاءَ حوادثَ تبعثُ الابتسامَ والطُّمأنينةَ في بَوَاطِنِ النَّفسِ الآدميِّة، وهي تسيرُ في مناكبِها لإشباعِ حاجاتِها العضويَّةِ والغريزيَّة.
واستطاعَ الشُّعرُ الفَذُّ الذي نتكلَّمُ عليهِ أنْ يحملَنا إلى فُسحةِ الدَّهشةِ، فنلبثُ في سُمُوٍّ وارتقاءٍ مصحوبينِ بنشوةِ القطفِ الإبداعيِّ الذي يحيلُنا إلى مخلوقاتٍ تكادُ تلامسُ النُّورانيَّةَ والمَلائكيَّةَ في أفقِ النُّزوعِ الإنشائيِّ الرَّافلِ بملامحِ الارتقائيَّةِ الثَّميلةِ من رشفِهَا تلك العصائر الشِّعريَّة المكتَنَزة بجماليَّةِ الصُّورِ الخَوالبِ، أو بتلكَ الحِكمةِ البليغةِ التي رسختْ في النَّفسِ على أجملِ هيئةٍ ترسخُ فيها اللَّوامعُ الآسراتُ في أعماقِ الخاطرِ والذِّآت!.
وهنا نتذكَّرُ أميرَ الشُّعراءِ أحمد شوقي القائل ذاتَ رُؤيا في الشِّعر: “لا يزالُ الشِّعرُ عاطلاً حتى تُزَيِّنَهُ الحكمةُ، ولا تزالُ الحكمةُ شاردةً، حتى يؤويَها بيتُ من الشِّعر”.
والشِّعرُ أنتِ التي سكنتِ القلبَ دَلالَهُ، وانسكبتِ لوحةً نابضةً بالحُبِّ وأجملِ وأشفِّ الأماني، وأسمى الأحلامِ المطيرةِ بالشَّوقِ والحنين، ثمَّ انسرحتِ في آفاقِ الرُّؤى الخميلةِ فغدوتِ فاطمةَ الخفقِ والشَّغافِ، وعائشةَ الصَّعُودَ إلى سُدَّةِ العِشقِ والذِّاكرة، وخديجةَ المُترَعةَ بالأمانِ والطمأنينةِ والآتي الشَّموخِ كالنَّخيل، ثُمَّ استحلتِ مَريمَ ورُطَبَاً جَنيَّاً، وغدوتِ سيِّدةَ القطفِ النُّورانيِّ حينَ تهللتِ بأثوابِ آسيا بنتِ مزاحم، ثُمَّ اكتملَ المشهدُ جمالاً وانتصاراً، وأبجديِّةً من لازورد، إذ كُنتِ غَزَّةَ، وهاتيكَ الدِّماءَ الزِّكيِّةَ المُبشِّرةَ بصُبحِ الظَّفرِ الصُّعُودِ إلى فجرِ الشَّمسِ السَّاطعِ كزيتونِ القدسِ والمسجدِ الأقصى المبارك…!.
وهنا يكتملُ المَشْهَدُ، ويبلغُ الشِّعرُ ذروةَ القَولِ، وحقيقةَ الهُويَّةِ، وينطبقُ فيه قولُ من سطَّرَ كلماتِهِ روعةً في التعبيرِ والتَّوصيفِ فَدِوَّنَ: “الشِّعرُ مُحتَوىً، والشِّعرُ شكلٌ، يتفاعلان، فيخرجُ منهما سيمفونياتٌ لُغويةٌ وأدبيةٌ وفنيةٌ رائعةٌ، تعبِّرُ عن ذكاءِ الإنسانِ وتميُّزِهِ عن باقي المخلوقات”…!.

مَروان مُحمَّد الخطيب
15/1/2024م
————————–
* مقدمة الدِّيوان الشِّعريِّ السَّادس، والذي سيصدر لي قريباً تحت إسم: كأنَّكِ غَزَّة…!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi