مقالات

تكتيكٌ” من جنبلاط يلوحُ في الأفق.. هل من مُفاجأة “رئاسية

بمعزلٍ عن علاقته المستجدة مع “حزب الله“، وبمنأى عن “ارتباطهِ التاريخي” مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لم يَشَأ رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، حتى الآن، كسرَ القرار الذي اتخذه بدعمِ النائب ميشال معوّض في معركة رئاسة الجمهوريّة. هُنا، قد تظن بعض الأطراف أنّ “زعيم المختارة” قد اتخذ قرار المواجهة، في حين أن هناك أطرافاً أخرى باتت تقرأُ في حراك جنبلاط عنواناً آخر يرتبطُ بتسويةٍ ما تلوحُ في الأفق.

واستناداً إلى ما تكشفه مباحثات الأوساط السياسية على الصّعيد الرئاسيّ، فإنّ ما يبدو وثيقاً هو أنّ جنبلاط يسعى بكل جهدٍ لتعزيز مكانته كمؤثر في اللعبة الرئاسية عبر كتلته النيابية، والسعي الأكبر يرتبطُ في جعل تلك الكتلة العامل الأساسي لإنجاحِ أيّ رئيسٍ بمعزلٍ عن هويته أو توجّهه أو حتى المحور الذي ينتمي إليه.

يوم غدٍ الإثنين، وخلال جلسة انتخاب الرئيس، سيُجدّد نواب جنبلاط كلمتهم المؤيّدة لمعوّض، وهذا الأمرُ بات رائجاً منذ بداية الجلسات الانتخابيّة “الشكلية”. إلا أنه في المقابل، ما يكشفه “التكتيك الجنبلاطيّ” يُوحي بأن الأمور قد تنقلب لاحقاً بالتوازي مع تسوية يُمكن أن تطرح نفسها بقوّة، وبالتالي فإن تخلّي جنبلاط عن معوّض قد يكون السيناريو الأقرب والأكثر توقعاً.

في الوقت الرّاهن، قرّر جنبلاط دعم معوّض لأنه ما من طروحاتٍ فعليّة وجديّة للرئاسة من قبل الأطراف الأخرى وتحديداً من الجهات التي يتحالف معها تاريخياً، والمقصود هنا “حركة أمل” المتمثلة ببري. ولهذا، ولكي لا تضيع “بيضة القبّان الجنبلاطية” مع الوقت المهدور، كان القرارُ بدعمِ معوّض، المرشح البارز على السّاحة النيابية حالياً، وذلك كي لا يُشمل جنبلاط مع الآخرين المُتهمين بـ”التعطيل” بسبب خيارات التصويت لديهم المُرتبطة بـ”الورقة البيضاء” أو بعبارات تُصنف ضمن الأوراق المُلغاة.

حتماً، استطاع جنبلاط حفظَ نفسه من سهام الآخرين بخطوته الالتفافيّة الاستباقيّة، فاتخذ الخيارَ الذي لا يتنافى مع طروحاته، لكنه في الوقتِ نفسه لم يُعطِ أي وعدٍ رئاسيّ لأحد، وهنا المفارقة الأساسية. وبذلك، فإنه ليس مستبعداً قبول جنبلاط بأي اسمٍ آخر قد يبرزُ لاحقاً ويمكن أن يحظى بقبولٍ ضمني من حليفه برّي أو من “حزب الله” القريب إليه، لكن هذا الأمر يجب أن يرتبط بالتسوية المُنتظرة، وهنا “بيت القصيد”. فمثلما قرّر الاقتراب أكثر نحو “حزب الله” بعد انتخابات نيابية طاحنة معه، فإنه لا شيء يمنع جنبلاط من الاندماج في تسويةٍ جديدة قائمة على التوافق حول إسم بمعزل عن معوّض، والدليل على ذلك مشاوراته مع “التيار الوطني الحر” بشأن الرئاسة بغضّ النظر عن الخلافات السياسية القائمة.

بشكل أو بآخر، قد لا يجنحُ جنبلاط كثيراً ضدّ برّي الذي يُريد التوافق في الرئاسة، كما أنه سيكونُ من أول المؤيدين للحوار بشأن الملف المطروح، في حين أنه لن يرفضَ خطوة التسوية إن فرضت نفسها على الساحة، بإجماعٍ سياسي. إلا أنه وبشكل أساسي، فإن ما يجعل جنبلاط يتريث قليلاً جداً في خياراته هو انتظاره لما ستؤول إليه مباحثات “حزب الله” مع حلفائه لحسمِ الخيارات، إذ أن التوافق في ما بينهم لم يتحقق بعد. لكن وفي حال حصول ذلك، عندها يمكن أن تتبلور الصورة، وبالتالي قد يبحث جنبلاط في خياراتٍ جديدة تتناسب معه من دون أن تكسر حليفهُ التاريخي الذي لن يرضى بمعوّض طالما أن الأخير لا يقبله “حزب الله” أبداً.

في النتيجة، فإن جنبلاط قد يُفاجئ غيره في الطروحات التي قد يُقبل عليها، إذ يمكن أن يؤيّد ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية في حين أنه من الممكن أن يذهب باتجاه تأييد ترشيح قائد الجيش جوزاف عون بحالِ طرحه جدياً. وبكل قوة، فإن كل شيء واردٌ وغير مستبعد في فلك “البيك”، وما يُمكن حسمهُ حتى الآن هو أن الملف الرئاسي سيبقى رهن عبارة “مكانك راوح” حتى صدور إشارات التسوية دولياً وداخلياً.
(لبنان ٢٤)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى