الرئيس كميل شمعون من الجبهة الوطنية الإشتراكية الى حلف بغداد.. ما هو دور الانكليز/الشراع

الشراع 24 تشرين اول 2022

ما أن اعتزل الشيخ بشارة الخوري الحكم حتى انقسم النواب فريقين : إحدهما يرشح للرئاسة حميد فرنجية والآخر يرشح لها كميل نمر شمعون ، وكانت غالبية مؤيدي فرنجية من النواب المسلمين ولكن الملوك والرؤساء العرب همسوا بكلمة السر ، فانتقل النواب المسلمون الى المعسكر الشمعوني وقيل يومها أن أصابع الإنكليز تركت بصماتها على هذا التحول .

كان شمعون قد اجتمع وهو في سويسرا بأحد كبار موظفي المفوضية البريطانية في بيروت ، ويبدو أن الموظف البريطاني وعده بدعم غير مباشر إنقاذا للمظاهر فكانت كلمة السر من الرؤساء العرب ، وقد تردد كمال جنبلاط في تأييد شمعون حليفه في الجبهة الإشتراكية الوطنية وقال لبعض أصدقائه :

” ياعمي شو عاد بيهدي ابن دير القمر إذا صار شمعون رئيسا للبلاد ؟ ” روى اسكندر رياشي أن كميل شمعون زار المختارة وأكد لحليفه أنه سيعمل وهو رئيس على جعل الشوف من أقصاه الى أقصاه خاضعا لنفوذ القصر الجنبلاطي ، وأن الشمعونيين في المنطقة سيصوتون في الإنتخابات للائحة التي يشكلها جنبلاط .

حرص شمعون طوال السنوات الست التي أمضاها رئيسا للبلاد على تشكيل حكومات هزيلة يحرك رؤساءها وأعضائها كالدمى … وقد ذاق لبنان في العهد الشمعوني حلو الحياة ومرها ، أما حلوها فقد كان مصدره الرخاء والازدهار والبحبوحة وتدفق الرساميل العربية والأجنبية وانحسار موجة البطالة .

أما مرها فقد ذاقته البلاد عام 1958 عندما اتخذت معارضة الخط الشمعوني في الميدانين العربي والدولي شكل إنتفاضة مسلحة غلب عليها الطابع الفئوي والطائفي ، وهي إنتفاضة شجعتها مصر عبد الناصر وسوريا عبد الحميد السراج وتولت توقيتها دوائر الإستخبارات في القاهرة ودمشق وبعض العاملين لحسابهما في الإستخبارات اللبنانية .

لقد قيل في ثورة 1958 ما فيه الكفاية وعُلم في حينه أن اللواء فؤاد شهاب اجتمع قبل نشوب الثورة وفي إبانها بضباط سوريين جاؤوا يطلبون منه القيام بحركة إنقلابية تطيح بشمعون وعهده فرفض الإقدام على هذه الخطوة وقال للضباط السوريين إن الشعب اللبناني لن يخضع لحكم العسكر ، وبعد نشوب الثورة طلب شمعون من اللواء شهاب إنزال الجيش فرفض قائلا إن الجيش لا يجوز أن يكون طرفا في أي نزاع سياسي وأن مهمته حماية الوطن .

نجح السوريون القوميون في مطلع العهد الشمعوني في انتزاع إعتراف الدولة بحزبهم على أن يطلق على نفسه إسم ” الحزب القومي الإجتماعي ” وهي تسمية تخلى عنها القوميون فور انتهاء حكم شمعون ، وكان فؤاد شهاب يخشى تغغلهم بالجيش ، وقد اعترف شمعون بعد إنتهاء عهده بالدور الذي قام به القوميون السوريون وقال إنهم أثبتوا في شملان كونهم لبنانيين مخلصين .

نَعِم لبنان في عهد شمعون بالبحبوحة والإزدهار مع أن الرجل لم يعتمد سياسة إقتصادية مدروسة ، وفي عهده أيضا عم الفساد واستشرى فاشتدت سواعد المحتكرين ، وكان هؤلاء يستخفون بكل تدبير حكومي يتخذه المعنيون لأن القصر كان يبسط عليهم ظل حمايته لقاء خدمات من نوع معين كانوا يقدمونها .

فبطرس الخوري وآل الصحناوي وآل غندور وفتال وسائر المستوردين الكبار كانوا يمولون الصحف الموالية ويسددون للمصارف  ديون النواب المرضي عنهم ، كما واستشرى الفساد في دوائر الدولة فقامت في العاصمة وخارجها فيلات وقصور لقضاة وضباط في الدرك والجمارك ومفوضين في الشرطة وأثرى بغتة سفراء وملحقون درجوا على تهريب ما خف حمله … فما حرك العهد ساكنا لوقف الموجة .
وعندما ضج البلد بأخبار القوادة الشهيرة ” عفاف “ وعلاقة النائب الإستئنافي بها وتردد قائد الشرطة وكبار معاونيه على بيوت الدعارة التي كانت عفاف تديرها ، اتصل الرئيس شمعون بالنائب العام هاتفيا وقال له : ” ولك يا …. ما بتستحي على شيبتك ؟ ” وأبقاه في مركزه وكان كبش الفداء مفوض الأخلاق وبعض معاونيه .

حصل بين مدير الشرطة ورئيس البوليس العدلي خلاف حاد أما السبب فهو أن أندية القمار والمحاشش وأوكار الدعارة تدفع  للمدير خمسة آلاف ليرة شهريا فيأخذ ثلاثة آلاف ويوزع 1500 على أمين السر ومفوضي الأخلاق والقمار والمخدرات ويخص رئيس البوليس العدلي بخمسمئة ليرة الذي طالب بأن ترفع حصته الى ألف ليرة .

حضر اللواء فؤاد شهاب قائد الجيش استقبال أقامته سفارة دولة شرقية في ” فيلا ” فخمة في محلة الرملة البيضاء ، فسأل اللواء الملحق العسكري في السفارة : هل تملك سفارة بلادك هذه الفيلا الجميلة ؟ فقال الملحق : ” لا ياسيدي مالك الفيلا هو المفوض…. مرافق رئيس الحكومة “.

خصوم شمعون ردوا إنهيار الميثاق الوطني وتراخي أواصر اللحمة الوطنية تدريجيا الى أن انقطعت بين اللبنانيين في عهد سليمان فرنجية ردوا كل ذلك الى استهتار كميل شمعون بالقيم والمبادئ وتستره على القافزين فوق القانون ، وإغضائه عن الوزراء والموظفين أصحاب الأيدي الملوثة .

وتقصيره في تحقيق مشروعات عمرانية في المناطق المتخلفة والمحرومة ورفضه تبني كل فكرة ترمي الى تحقيق حد أدنى من العدالة الإجتماعية مما أدى الى إنتشار المبادئ اليسارية وتعميق الهوة الفاصلة بين الطبقات .

عبد الهادي محيسن …. كاتب وباحث .