الخدمات الاعلامية

السعودية تنفتح ايران تتشدد / بقلم حسن صبرا/الشراع

الشراع 28 تشرين ثاني 2022

والمفارقة ان الخلافات العميقة في السياسة بين المملكة العربية السعودية وايران حول قضايا عديدة كلها عربية ، لم تمنع التقاء المصالح بينهما في الموقف غير المسبوق من الولايات المتحدة الاميركية ، فالسعودية وهي الحليف التقليدي لاميركا في كل عهودها السبعين الماضية، تتصرف في عهد ملكها سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الامير محمد بن سلمان بما يناسب مصالحها فقط ، حتى وإن كانت متناقضة مع مصالح اميركا ، خصوصاً في مجال الطاقة وقرارات  اوبك +وهذا لم يحصل سابقا طيلة سبعة عقود ..

اما ايران فنظامها السياسي الديني قام على قاعدة مواجهة اميركا في كل المجالات ,بدءاً بمنع اي تواصل داخلي معها ، وصولاً الى مواجهتها في الكيان الصهيونى ،

وهذا هو الهم الاميركي الاول ،

ليصبح هو القضية التي تشد فيها ايران عصبها الداخلي ( لسنوات طويلة) وتحاول فيها استقطاب من تستطيع من المسلمين ومن ضمنهم العرب ( ونموذج فعلها هو علاقتها الجدلية مع حزب الله في لبنان الذي يخوض اشرس وافعل المواجهات مع العدو الصهيوني ، ودعمها غير المحدود لنظام آل الاسد في سورية لسببين جوهرية:

الاول هو انه الطريق الالزامي لها للتواصل مع حزب الله في لبنان والسبب الثاني هي علويته الفاقعة التي تسمح باللقاء المذهبي مع الشيعة الاثني عشرية في لبنان والعراق وايران )
الخلافات السعودية – الايرانية باتت من دون علاج منذ ان اشتعلت حرب اليمن ، وباتت الصواريخ والمسيرات الايرانية تنطلق من اليمن لتصيب المدن والمصالح السعودية لسنوات ، مع استمرار الغارات السعودية الجوية على مواقع مختلفة في اليمن ،قبل ان ينجح رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي في جمع وفدين امنيين في بغداد فرضا هدنة في اليمن .

غير ان المفارقة غير المسبوقة في توصيف التحركات المجتمعية في كل من السعودية وايران ..

تظهر في الانفتاح المجتمعي في السلوكيات وفي الحريات الفردية والسماح بالاختلاط بين الجنسين في السعودية ، مقابل المزيد من التشدد الذي تفرضه السلطات الايرانية على مجتمعها .
المفارقة الاهم هي في وصول السيد أبراهيم رئيسي المتشدد الى رئاسة الجمهورية في ايران بعد فترة بسيطة من اجراءات الامير محمد بن سلمان الانفتاحية في السعودية .
المفارقة الثالثة هي تشدد الولايات المتحدة في عقوباتها على ايران ، في وقت تبدو فيه السعودية قادرة على ما يمكن اعتباره عقوبات سعودية على ادارة ألرئيس جو بايدن ، كتدبير وقائي سعودي على هذه الادارة ، حتى لاتعود الى ما كانت عليه ادارة باراك اوباما الذي تعتبره السعودية كارهاً لهاً معجباً بايران ، موقعاً معها اتفاقاً نووياً دفع العرب في مصر وسورية ثمناً غالياً لإبرامه .. تمثل بتسليم الاخوان المسلمين مقاليد الحكم في مصر 2012-2013, وتثبيت حكم بشار الاسد في سورية منذ العام 2011.
ولعل بيت القصيد في استعراض كل هذه المفارقات ،هو في ان الامير محمد بن سلمان يستجيب لمنطق العصر وحاجات الشباب السعودي للانفتاح ،وتطبيق ما يراه ويقرأه عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام والإختلاط مع الغرب ( في بلاد الغرب هناك اكثر من مليون سعودي مروا على اهم جامعات العالم حيث كانت المملكة في فترات سابقة تبتعث سبعين الف شاب وفتاة سعودية للدراسة في الخارج ). بينما يعيش ملايين الايرانيين في بلاد العالم يكتفي كثيرين منهم بدعم بلادهم في السياسة ( مع وجود معارضين اكثر لنظامها ) بينما لا يملك هؤلاء نقل اي تأثير ثقافي انفتاحي الى مجتمعاتهم الخاضعة لثقافات وقوانين وقرارات وسلوكيات متشددة الى الحد الاقصى…

هنا

يجب ان نذكر ان المرأة في المجتمع الايراني هي ذات تأثير مهم جداً في مجتمعها  ، في المنزل وفي العمل وفي المؤسسات السياسية …بينما ما زالت المرأة السعودية تحبو في سعيها لمطالبها الذاتية كإمرأة ودورها في تقرير مصير منزلها وما ومن فيه … لذا يبدو اي قرار الامير محمد بن سلمان نحو الغاء المحاذير السلوكية التي فرضتها الثقافة الوهابية ذا تأييد وتشجيع وتأثير كبير داخل المجتمع السعودي ، بينما يتجه اصحاب القرار في ايران الى مزيد من التشدد ، وابرز مظاهره هو حصار اصحاب القرار لرئاسة الشيخ حسن روحاني الذي جاء الى منصبه وجدده بأصوات عشرات ملايين الناخبين ، بينما نال خلفه المتشدد السيد ابراهيم رئيسي الحد الادنى من اصوات الناخبين ، مع استبعاد اي منافس حقيقي ذا تأييد شعبي من خوض المواجهة معه !
في ايران مسألتان جوهريتان هما :

١- المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة الاميركية ، التي ما زالت عقدة طردها من ايران منذ 43 سنة تسيطر على راسمي سياساتها في الاستخبارات المركزية وفي وزارة الدفاع ..

٢- ان ايران ما زالت تعتبر ان عصب سياستها في المنطقة العربية هو قضية فلسطين ، ومواجهة العدو الصهيوني الذي يحتلها .
انظروا الى نجاح المقاومة الاسلامية في طرد الاحتلال الصهيوني من جنوبي لبنان والبقاع الغربي ( باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر )
وانظروا كيف تتمكن حركة حماس والجهاد الاسلامي من مواجهة العدو الصهيوني في قلب فلسطين ، ولولا ان العدو الصهيوني متمسك بنظام الاسد بإعتباره ضماناً امنياً استراتيجياً له لكان لايران دور اكثر استراتيجية في مواجهة العدو الصهيوني!

لذا

يتوجب على اي محلل سياسي لتحركات المعارضة الايرانية للنظام في الداخل ، ان يقرأها على ضوء الحرب المفتوحة بين ايران واميركا من فلسطين المحتلة الى دور ايران الاقليمي ،الذي يدفعها بطبيعة الحال الى تطوير قدراتها العسكرية افقياً وعامودياً ، لحماية نفسها من القواعد الاميركية التي تحيط بها من كل النواحي، وحماية لمشروعها في. التوسع حيث تجد مؤيدين لها ودائما من الشيعة في العراق وفي لبنان وفي اليمن  التي نجحت في استقطاب زيديين فيها نحو الشيعة الاثني عشرية ، ودائماً من علويى سورية
يبقى الاهم ان المجتمع الايراني الذي يملك خاصيتين اساسيتين هما :
١- خاصية فارسية مشهود لها عبر التاريخ الحيوية والانفتاح والانطلاق دائما نحو الخارج .
٢- خاصية الشيعية الاثني عشرية التي تتميز عبر الزمان بالحركة والاجتهاد المفتوح
هذا المجتمع خسر في ظل السلطة الحالية هاتين الخاصتين ، بينما يتحرر المجتمع السعودي من التشدد السلفي المتوارث منذ 1400 سنة وازداد تشدده مع مجىء محمد بن عبد الوهاب ، وهناك منطق يقول ان عبد الوهاب اتى استجابة للتشدد المجتمعي السعودي ، وان محمد بن سلمان يستجيب في قرارات الانفتاح لمطالب عنصري الشباب والمرأة في البلاد ، فيكسب جماهيرياً بينما يثور عنصري الشباب والمرأة في المجتمع الايراني ، من دون ان ننسى العوامل الجوهرية التالية –
١- العقوبات الاميركية والغربية غير المسبوقة على ايران بسبب سياساتها المعادية للمصالح الاميركية.وهذه تركت وتترك اثاراً قاسية جداً على حياة الايرانيين ، خصوصاً وهم يقرأون ليلاً ونهار اً ، التزام بلدهم بدعم ثوار العالم ضد الاستكبار الاميركي ، مع التذكير ان المادة الثالثة من الدستور الذي صوت عليه الايرانيون تدعو الى التزام الجمهورية الاسلامية بدعم جميع المستضعفين في العالم
انفتاح المجتمع الايراني على وسائل العصر الحديثة في المعرفة  الانسانية واخبار ألعالم بعد ان اصبح بها قرية صغيرة يتواصل اهلها على مدار الساعة وليلاً ونهاراً
٣- مرور ثلاثة واربعين سنة على انتصار الثورة الاسلامية التي وحدت الايرانيين وجذبتهم نحو شعاراتها ، وقد شارك في صنعها الملايين بقيادة شخصية نادرة في التاريخ هو روح الله الخميني … لكن اربعة عقود واكثر جاءت بأولاد جيل الثورة وربما احفادهم ، الذين لم يعيشوا فترة الثورة على الشاه و لا فترة الحرب العراقية – الايرانية،ولا تشكيل العصبية الايرانية لحماية ذاتها ،
٤-انتصار قوى التشدد الديني والسياسي في البلاد على قوى الاصلاح والانفتاح السياسي ، بمجىء رئيسي للحكم منذ سنتين ، وانتشار النزاعات الاعلامية بين الفريقين اللذين يشكلا عصب النظام بما شجع الجماهير المخنوقة من العقوبات. وتلك التي لم تعش وهج الثورة على الشاه وانجازاتها على التجروء على النظام الذي يمنع نشر صور رئيس سابق للجمهورية الاسلامية هو السيد محمد خاتمي ويعاقب من يتحدث عنه على الرغم من فوزه بأعلى نسبة اصوات في دورتين بين الرؤساء السابقين ، والذي يحرم عقل الثورة وانجب تلامذة الامام الخميني الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني من الترشح للانتخابات الرئاسية قبل ان يتوفى ..وهو النظام نفسه الذي ضحى بجمهوره وبقيادات من امثال مير حسين موسوي الذي مضى على اقامته الجبرية في منزله اكثر من اثني عشر عاماً من اجل خاطر محمود احمدي نجاد الذي انقلب الى الثقافة الفارسية بينما ما زال موسوي وعلي اكبر ناطق نوري اسيرين في منزليهما !! وهل يكون غريباً ان يكون ضمن المتظاهرين منذ اكثر من شهر في ايران انصارا لموسوي ورفسنجاني وخاتمي وروحاني وكل من اعتبر نفسه متضرراً من التيار المتشدد في ايران ؟
لا شك ان النظام الاسلامي في ايران امام مأزق كبير ، لكن الاخطر فيه هو ناحيته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من دون إهمال العامل الاجنبي وخصوصا الاميركي الذي يعاقب ايران بسبب عدائها للكيان الصهيوني ، ودعمها بكل اشكال الدعم لكل اشكال المقاومة ضده

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى