الخدمات الاعلامية

من اوراق حسن صبرا / وقائع مع كمال جنبلاط ارويها في ذكرى اغتياله الـ 44/الشراع

مجلة الشراع 16 آذار 2021

1- الواقعة الاولى بعد سقوط المسلخ والكرنتينا في ايدي الكتائب والاحرار في ك٢ عام 1976

زحف العشرات وربما المئات من اهالي هاتين المنطقتين بعد ان نكبوا بالقتال الاهلي وهجّروا قسراً من بيوتهم وسكنهم نحو منزل الزعيم الوطني كمال جنبلاط في المصيطبة القريب من مارالياس وكانت مظاهر البؤس على احوالهم كما اليأس والتهجير مرافقة لبكاء وصراخ وعويل على قتلى منهم وجرحى وآلاف منهم مهجرون بدا مأوى ولا طعام..

 كان للحزب التقدمي الاشتراكي وجود في منطقة المسلخ التي باتت تحت سيطرة خصومهم السياسيين بالقوة المسلحة

خرج كمال جنبلاط الى المهجرين ليهدىء من روع مأساتهم فإذا الرجل الكبير يظهر تأثراً لم يستطع بسببه ان يطيل الاطلالة على مهجري المسلخ والكرنتينا من شرفة منزله التي لا ترتفع عن الشارع حيث المنكوبين الا بمقدار عدة درجات!

عاد جنبلاط الى مجلسه حيث كان اركان الحركة الوطنية بمعظمهم عنده وقال والحزن على محياه اطلبوا لي فخامة الرئيس وكان يومها الرئيس سليمان فرنجية، فتنادى كل من المرحومين جورج حاوي ومحسن ابراهيم والقياديين في الحزب الاشتراكي محسن دلول ورياض رعد للإحاطة بكمال بيك للاستفهام منه عن سبب طلبه فرنجية فكان ردّ جنبلاط:

 بجب وضع حد لهذه المآسي التي تتوالى على الناس !

 كنت عائداً للتو من ليبيا التي زرتها مع الاخ سعيد ايوب لنطلب من مسؤولين فيها منهم الرائد سالم ابو شريدة اقرب الضباط الى العميد ابو بكر يونس مساعدتنا كإتحاد اشتراكي عربي للوقوف مع الاخوة المقاتلين في الاتحاد المنتشرين بقوة في المنطقتين المهددتين بالسقوط وكنت بطبيعة الحال في منزل جنبلاط لنطلب منه حلاً لموضوع مهجري المسلخ والكرنتينا وسمعنا مناشدة القيادات الحزبية لكمال بيك ان يؤجل طلب لقائه مع فرنجية حتى يلتقي مع الاخوة السوريين ..

  سعى هؤلاء لإقناع جنبلاط بذلك كل لسبب قد يختلف عن الآخر لكن الجميع كان مع الردّ  بطريقة عسكرية على ما حصل في المسلخ والكرنتينا..

وكان هذا ما يريده السّوريون الذين ارسلوا الى جنبلاط بأن اي حوار الآن مع الكتائب والاحرار او مع فرنجية سيعني الرضوخ لشروط المنتصر لذا فإن المطلوب هو عملية عسكرية مضادة ضدهم لإرغامهم على التفاوض من موقع القوة

وكان ياسر عرفات مع هذا المنطق لأنه كان يريد ان يحرر طريق الجنوب وخصوصاً بين بيروت وصيدا من مخاطر انتشار الكتائب والاحرار خصوصاً في المنطقة الممتدة من الناعمة الى الرميلة وما بينهما في الدامور والسعديات والجية وكان هذا الطريق محفوفًا بالمخاطر التي تهدد امدادات ومرور حاجات وعساكر المنظمات الفلسطينية بين بيروت والجنوب

  كيف ردّ السوري عسكرياً؟

البس جنوداً سوريين ملابس جيش التحرير الفلسطيني وارسلهم من بيروت ومن صيدا لخوض معارك عسكرية في طول الساحل بين الرميلة والناعمة انتهت بمجازر وحرائق وقتل وتهجير كل الاهالي المسيحيين فيها… عندها اعتبر السوري انه حقق توازن تهجير وقتلى بين مناطق المسلمين ومناطق المسيحيين فيمكن بعدها بدء حوار بين حافظ الاسد الذي استقبل سليمان فرنجية ليعقد معه اتفاقاً سمي بوثيقة 14 شباط 1976

 التي تضمنت امرين جوهريين كانا مثار خلاف داخلي بين المسلمين والحركة الوطنية بزعامة جنبلاط وبين المارونية السياسية هما:

 عروبة لبنان

والمناصفة في كل المواقع السياسية مع المحافظة على ما يملكه الموارنة من امتيازات

انقلاب تلفزيوني

مع موافقة ياسر عرفات على فتح طريق الجنوب بين بيروت وصيدا كما اسلفنا الا انه كان يدرك معنى ان يدخل السوري عسكرياً الى لبنان بعد اتفاق الاسد وفرنجية لذا نظم عملاً انقلابياً قاده اللواء عزيز الاحدب وقد حمله ابو حسن سلامة بسيارته الى مبنى التلفزيون في تلة الخياط ليعلن رفضه لهذا الاتفاق مساء يوم 11 آذار من العام نفسه

لتتوالى الاحداث المأساوية بعد ذلك واخطرها اغتيال كمال جنبلاط بعد هذا الانقلاب بسنة كاملة وخمسة ايام

2- الواقعة الثانية

حصل اشتباك بين عناصر من الاتحاد الاشتراكي العربي والحزب التقدمي الاشتراكي كما كان يحصل بشكل شبه يومي بين الفصائل اللبنانية بعضها ببعض وكذلك بين الفصائل الفلسطينية وبين اللبنانية والفلسطينية

كنت امين الاعلام والثقافة في الاتحاد وقد كلفت بحضور اجتماع المجلس السياسي للحركة الوطنية برئاسة كمال جنبلاط

كان الناطق باسم الاتحاد هو كمال يونس لكنه كعادته عندما تكون هناك شبهة مخاطر كان يتهرب من الحضور اذا كلفت انا بالمهمة في معقل الحزب الاشتراكي في جل البحر حيث مقر المجلس السياسي للحركة الوطنية

  خاطبت كمال جنبلاط بكل الحب والاحترام عن الاشتباك الذي حصل مطالباً إياه ان يكون حكماً ونحن في الإتحاد نؤمن بحكمته وتقييمه العادل في اي حكم يصدره

  وفي حين ان كل ممثلي الاحزاب الاخرى وعلى مستوى امنائها العامين اتبعت كلامي بمواقف مجاملة بالكامل لموقف الحزب الإشتراكي في الاشتباك المسلح الا ان الزعيم الاشتراكي استنكر ما حصل بين الرفاق والتفت الى عضو قيادة حزبه داوود حامد مطالباً اياه بمعالجة الامر وزيارة مقر قيادة الاتحاد وعقد مصالحة وتثبيت موقف الرئيس (جنبلاط) برفض الإقتتال

3- الواقعة الثالثة

في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة الواقع في 11/3/1977

كنا ممثلو  الاحزاب والتنظيمات والحركات والشخصيات الوطنية في مكتب الحركة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية الذي اعتمد مقراً جديداً للحركة الوطنية بعد ان سيطر الجيش السوري على بيروت بمقتضى قرارات مؤتمري الرياض والقاهرة في تشرين اول/اكتوبر عام 1976

كنا ننتظر وصول كمال بيك لبدء اجتماع المجلس السياسي للحركة الوطنية .. دخل جنبلاط مجلس الانتظار باسم المحيا تنطق النضارة في ملامح وجهه وكان يرتدي بدلة رصاصية اللون ويضع ربطة عنق برتقالية … حرص الرجل الكبير على مصافحتنا جميعاً واحداً بعد الآخر بكل التواضع والرقي المعروفان في سلوكه ثم تحلقنا خلف طاولة اجتماعات كان يتوسطها فوق كرسيه والى جانبه دائماً امين سر المجلس غسان عياش

  ما ان استقر الحضور فوق كراسيهم حتى بادر كمال جنبلاط الجمع بحديث كشف فيه انه تلقى رسالة من القيادة السورية تدعوه للحوار بعد الصدامات الدموية التي حصلت في الجبل بين الجيش السوري وبين القوات المشتركة اللبنانية – الفلسطينية في ايلول /سبتمبر 1976

بعد حديث جنبلاط عن طلب السوريين الحوار معه اراد ان يدلي كل مندوب برأيه حول هذا الطلب

كان المناخ ايجابياً نحو الحوار خصوصاً من جانب جورج حاوي ومحسن ابراهيم وسجل مندوب البعث رفيق ابي يونس تحفظه بسبب النزاع بين البعث في العراق ونظام الاسد في سورية

انتهى الاجتماع وفي بال الجميع ان جنبلاط ينتظر دعوة للتوجه الى دمشق للقاء الاسد .. لكن الذي حصل ان الاستخبارات السورية بقيادة العميد ابراهيم حويجي نفذت عملية اغتيال لجنبلاط بعد خمسة ايام من دعوتها اياه للحوار

  هل تذكرون تعليق وليد جنبلاط الاول بعد اغتيال جورج حاوي في بيروت في حزيران 2005؟

قال جنبلاط الابن ان هذا النظام في سورية يقدم على قتل خصومه بعد ان يطمئنهم .. لقد طلبوا من ابو انيس ( جورج حاوي) ان يبادر الى الحوار بعد اغتيال رفيق الحريري فطمأنوه ثم قتلوه

طمأن غاز ي كنعان صديقه نسيب الخطيب الذي ترك لبنان بعد اتصاله بياسر عرفات فعاد الرجل الى لبنان واقام له كنعان مأدبة غداء في بعلبك، وعندما وصل الخطيب الى منطقة ضهر البيدر اغتالته الاستخبارات السورية

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى