الخدمات الاعلامية

كتب شاعر فلسطين الاديب الاستاذ مروان الخطيب/وَحْدَها فاطمةُ تمتلكُ الجَواب!

إلى الشَّهيد الأبيِّ خيري علقم-

كعادتِهِ كُلَّ يومِ جمعة، يحملُ مَريولَهُ الأبيضَ، وهو يغادرُ عملَهُ إلى بيتِه. وعلى غيرِ العَادة هذه المرة، يُمسكُ المَريولَ بشغفٍ ونَهَم، لكأنَّهُ يُعاقرُ مشروبَهُ المُفَضَّلَ شرابَ الكركديه، ويجعلُهُ على صدرِهِ في ضَمَّةٍ تُحاكي ضَمَّةَ الأحلام، ويسترسلُ في شَمِّهِ، كأنَّهُ يعانقُ عَزيزاً طالَ أمدُ فراقِهِ ثُمَّ كانَ اللقاءُ، فالعِناقُ الأسطوريُّ المَمهورُ بذيَّاكَ الرُّخاقِ المحاكي زهرةَ اللَّوزِ في فتنتِها وألقها…!.
كانَ في خاطرِهِ، صورةُ فاطمة، وعَنادُ الشَّهيد المقدسيِّ “فخري علقم” وهو يصطادُ غاصبي أرضِهِ في ملحمةٍ بُطوليَّةٍ تُماثلُ ملاحمَ الإغريقِ واستبسالِ أوديسيوس، وتُذَكِّرُ بطروادةَ وهِمَّةِ أخيل…!.
ويقفُ صاحبُنا في مِحرابِ شَوقِهِ، يُناجي طيفَها، وعَرينَ الشَّهيد:
لم تَكُونِي عَابرةً في دَقَّاتِ قلبي،
ولم تَكونِي لحظةً تُعسْكرينَ فِيَّ،
وفي جَناني كورقَةِ توتٍ مسافرةٍ إلى الذُّبُولِ واليباس، وإنَّما أنتِ فِيَّ المَبنى والمَعنى، والاشتهاءُ الأبهريُّ المُصَّاعدُ في دَمِي نبضاً وألقاً،
والتصاقاً دائماً بهَمسِي وبَوحِي،
وبذاك الرَّاسخِ في فُؤادي يقيناً،
لا يُشبهُ سِوى يقينِ الأولياء والأنبياء…!.
ولم تذهبي عن خَفْقِي ورُوعي لحظةً،
بل تُقيمينَ في شَغفي وتَوقي،
كما يقيمُ الجَرمقُ في نبضِ صفد،
وتُقيمينَ بلا حَد…!.
ثُمَّ إنَّني أحبو فتىً وكهلاً وشيخاً،
إلى مَلحمةِ “فخري علقم”،
وأحاولُ أن أسموَ إلى مداراتِهِ البهيَّة،
لعلِّي أقطفُ بعضَ أورادِ الجَنَّةِ من يديه الشَّهيدتين،
وأمزجُ عُمُرْيَ برُحاقِها،
ثُمَّ أرفعُها مرَّةً خامسةً مَهْراً لبحرِ عكَّا وذاكرةِ السُّؤددِ هناك،
وأصرخُ:
يا بحرُ،
أنت خيري،
يا خيري،
أنتَ بحري وفخري،
ومدايَ النَّشوانُ حدَّ الآخرة!،
وأنتَ انتشالي من العَلقمِ إلى الشَّهد،
ومن اللَّحدِ إلى المَهد،
وأنتَ غُسُولي البُرقوقيُّ في زمنِ انكسارِ الأعرابِ إلى الضلالِ والتيه،
وأنتَ بوصلتي إلى بلوغِ المجد…!.
ثمةَ أملٌ بولادةِ النَّخِيل،
طالما قامَ فينا خيري،
وثمةَ أملٌ سَابعٌ بانتصارِ الحرفِ واندحارِ الشَّيطانِ الرَّجيمِ،
طالما أنجبتْ أمَّتُنا أمثالَ خيري،
فنمْ يا فخري وخيري قَريرَ العينِ والفُؤاد،
وَلْتَبقَ لنا نِبراساً للوصولِ إلى حلقةِ الفِداءِ،
التي تُحاكي فِداءَ دلال ذاتَ بحرٍ آذاريٍّ مصَّاعدٍ في ذاكرةِ الأبيضِ المتوسط،
ولتبقَ لنا ذاكَ الرَّوضَ الأخضرَ الفينان،
والمُشرِفَ على ذاكرةِ الرَّيحان بنِ ماءِ الرُّمان،
حيثُ يَهجعُ في نبضِهِ الأبيضُ وفاطمة…!.

 

مَروان مُحَمَّد الخطيب
29/1/2023م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى