اخبار لبنان

كتب الإعلامي د. باسم عساف /هزتنا بالأرض … خير من هزتنا بالعرض …

أفاق الناس بلبنان ، وفي المنطقة العربية الشمالية مع تركيا وشرق أوروبا على إرتجاج هزة أرضية ولأقل من دقيقة واحدة مع إرتدادها حيث تكشفت عن أضرار بالغة بالأبنية والسيارات والطرقات ، وأبلغ منها بالنفوس هلعاً وجزعاً وفزعاً وخيفة ورعباً ، حتى باتت الناس بالآلاف في الساحات والطرقات البعيدة عن المباني لئلا تكون تحت الأنقاض ومن بين الأموات ، إذ أن النّفس أمارةٌ بالسوء ، ولا يخطر بالبال ، إلا أسوأ الأحوال …
دقيقة واحدة مما عند الخالق من آيات الفزع الأصغر ، ومن مشهدٍ بسيط، للمشاهد التي تعطي الإنسان صورة عن عظمة الخالق في خلقه ، وكيف يمكن تحريك نموذج عنها على صغره وبساطته ، بهزَّة لم تتجاوز الدقيقة ، وكيف كانت عظيمة لدى النفوس الحائرة كيف تنجو ؟؟؟ وإلى من تلجأ ؟؟ وإلى أين تذهب ؟؟؟ ومن يرأف بها ؟؟؟.. أمام هول تحريكٍ بسيطٍ لصفائح الأرض ، ضمن العلامات الصغرى، ودون زلازل وإنشقاقٍ للأرض فتبلع من عليها ، كما جاءت صورة العلامات الكبرى من يوم القيامة …
وقد تحدّث القرآن بها ووصفها بالتفصيل في سورة الزلزلة وأيضاً في غيرها من السور ، وغفل عنها الإنسان في جحوده وعنوده ، لمن كان السبب في وجوده ، وغفل عمن تعهد له بوعوده وعهوده ، فإستشاط بإعتماده على إبليس في إغوائه وإنحرافه ، وتزيين الدنيا بمباهج لعوبه وفتونه ، فبات ألعوبة بين يديه ، يناكد ويناقض من يعطيه خارطة الطريق القويم ، والصراط المستقيم ، ليعيش حياة هانئة وسعيدة ، تحظى بالنفوس الرغيدة ، حين تكون عن الشيطان بعيدة ، وتركن إلى باريها بالصفات الحميدة …
هزةٌ بسيطةٌ ، لم تدُم دقيقةً واحدة ، جعلت الناس أجمَعين على الحُجَّةِ البيضاء ، ليلها كنهارها لا يحيد عنها زائغ ، فقاموا من فراشهم وتنافسوا بالإسراع إلى الساحات والنزول إلى الشوارع مكبِّرين مهلِّلين ، يذكرون الخالق ويناجونه بالرحمة والمغفرة ، وهم عن تعاليمه غافلون ، وعن رسالته ضالُون ، وبمباهج الدنيا مُمعِنون ، وعن أداء صلاة الفجر ممانعون ، وللقيام بها تراهم متثاقلون ، بينما هم من الموت فارُّون ، ومهرباً منه يعتقدون ، وكأنهم لآياته لا يسمعون ، وهم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون ، فلا فرار من الموت وهم يعرِفون ، فإن يَصعُبَ عنكم لقياه ، فهو ملاقيكم ولو كنتم في بروج مشيدة وأنتم تشهدون ، فكَم من أبنيةٍ بل مناطقَ مشيَُدة وما ، ومن فيها باتت ردماً من الباطون…
كنا ومازلنا نكتوي بنار الهزات السياسيَّة ، وهول الزلازل الماليَّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة ، التي تتراكم على رؤوس الناس في لبنان ، والمعيلين منهم بالذات ، حيث حُرموا من سحب أموالهم ، وفَقدوا تأمين حليب أطفالهم ، وسُلبوا من جلب أدويتهم المستعصية والمزمنة في حياتهم ، كما حُرموا من أبسطِ قواعد معيشتهم بالماء والكهرباء والدواء ، ولم يبق إلا الهواء ، ليطالونه بأيديهم الملطخة بالمساويء والحرام ، من نهبٍ وسرقاتٍ وإحتيال ، على نمط التجَّار الفجَّار ، الذين لا يرقبون بالناس إلاً ولا ذمةً ، أين منهم هولاكو ونيرون ، وفرعون وعون …
كوارثَ وهزَّات ، ومصائبَ وأزمات ، حتى بات الكلام عن الممات ، أجدى وأفضل من الحياة ، ومن هنا لم تعد مراكب الإنتحار ، في أعلى البحار ، وعلى أيدي التجّار ، مدانةً أكثر من الفجَّار ، الذين ينهبون الشعب ليلَ نهار ، وهم يُمعِنون منه بالإكثار ، ولا يحتسبون للثورة ولا الثوار ، ولا حتى للبلد إذا إنهار ، فليس لهم إلا جهنَّم والنَّار ، من ربٍ قويٍ جبار …
إعتبروا يا أولي الألباب ، أن المنظومة السياسية قد فتحت الباب ، وسيَصْلَوْن سعيراً بالإكتئآب ، فلا ينفع معهم اللوم والعِتاب ، ولا الصِّياح بالشتم والسِباب ، إذ يلعبون دور الذِئآب ، ويكشِّرون للشعب الأنياب ، ولا ينفع معهم إلا الإنقلاب ، من كل الصادقين والأحباب ، فتكونَ هَزيمَتُهم على الأبواب ، وليذكُرهُم التاريخ بالصفحات السودِ من الكتاب ، لأنهم هَزُّوا كرامة الناس والعرض ، وستأتيهم هزَّة الجبَّار بالأرض …

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى