الخدمات الاعلامية

أصل علم النحو وأهميته / بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 1 حزيران 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{إنَّا أنزلناه قرءانًا عربيًا لعلكم تعقلونسورة يوسف.

قال الإمام القرطبي في “تفسيره”: “عربيًا أي يُقرأ بلغتكم يا معشر العرب” وفيه: “لعلكم تعقلون أي لكي تعلموا معانيه وتفهموا ما فيه”.

لا زالت علوم العربية ينبوعًا للفضائل وكنزًا للمكارم وإن من أبرز علوم العربية علم النحو وقد ظهر الاشتغال به ووضع قواعده في القرن الأول الهجري وفي خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تحديدًا، وواضعه هو التابعي الجليل أبو الأسود الدؤلي بأمرٍ من سيدنا علي عليه السلام ففي “نزهة الألباء” للأنباري أن ابنة أبي الأسود قالت له: ما أحسنُ السماءِ. فقال لها: نُجُومُها.فقالت: إني لم أُرد هذا وإنما تعجَّبت من حُسنها. فقال: إذن فقولي: ما أحسنَ السماءَ. فحيئذٍ وضع علم النحو.

وقد أخذ أبو الأسود الدؤلي قواعده من سيدنا علي عليه السلام ففي “الوافي بالوفيات” لصلاح الدين الصفدي: أنه قيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم، يعنون النحو. فقال: لُقِّنت حُدوده من علي بن أبي طالب”: وفيه “أن أبا الأسود قال: استأذنت علي بن أبي طالب أن أضع نحو ما وضع فسُمِّي لذلك نحوًا. ويسمَّى أيضًا: علم العربية. قلت: وذلك أن أبا الأسود حين شكا إلى سيدنا علي ما كان من شأن ابنته علَّمه سيدنا عليٌ القواعد فنحا أبو الأسود نحوها أي وضع مثلها.

والنحو هو علمٌ بقواعد يُعرف بها أحكام الكلمات العربية من الإعراب والبِناء وغير ذلك، فهو علمٌ يبحث في الكلمات العربية من حيث أحوالها. وشرفه بشرف فائدته إذ الغاية منه التحرُّز عن الخطأ والاستعانة على فهم كلام الله تعالى وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يُفهم أيضًا كلام العرب الفُصحاء وتُفهم نصوص العلماء، وبالتالي يصح القول: إذا ضعف فهم الناس لعلم العربية ضعفت أفهامهم لفهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعبارات العلماء فيؤدي ذلك إلى ضعف أفهامهم للشريعة، وهذا من جملة أسباب التخبُّط والشذوذ الذي نعانيه من كثيرٍ من أدعياء العلم والفرق المدعية للعمل الإسلامي اليوموعلى خلاف ما نشهده اليوم جرت عادة العلماء السابقين على الاعتناء بعلم النحو فكانوا يُتقنونه ويُعلِّمونه لطلبة العلم ولهم فيه مذاهب واجتهاداتٌ.  

أهمية النحو

قال الجلال السيوطي في شرح ألفيته: “وقد اتفق العلماء على أن النحو يُحتاج إليه في كل فنٍ من فنون العلم لا سيما التفسير والحديث فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يتكلم في كتاب الله حتى يكون ملمًّا بالعربية لأن القرآن عربي ولا تُفهم مقاصده إلا بمعرفة قواعد العربية وكذا الحديث.

وإذا ما كان القرآن الكريم في أعلى طبقات الفصاحة والبلاغة واللغة العالية من حيث الإعراب، وقد نزل بالتحدي في زمنٍ كان فيه العرب على قدرٍ من الفصاحة وبلاغة القول والبعد عن الغلط في التعبير فلم يستطع الكفَّار أن يأتوا بمثله، وإذا ما كان النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم أفصحَ العرب وأعظمَ من نطق بلغة الضاد على ما يُوافق قواعدها بل إنما يُحتجُّ بكلام الله ورسوله في ضبط تلك القواعد، بل قال الزبيدي في “تاج العروس”. “قال بعض الفقهاء: كلام العرب لا يُحيط به إلا نبي” فكيف لجويهلٍ لا يعرف أوائل قواعد النحو أن يخوض في تأويل الكتاب والحديث بحسب ما جرت عليه لغة العوامِّ وذهب إليه رأيه السقيم؟!  

ونظرًا لأهمية علم النحو فقد حكم العلماء بوجوب تعلُّمه على الكفاية على أهل كل ناحيةٍ، أي إن كان في المؤمنين من يعرفه يسقط الحرج عن الآخرين ومن أراد قراءة التفسير والحديث وجب عليه بعينه أن يتعلم النحو. قال العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله:

النحو الصَّرف كلاهما شُرط                        لقارئ الحديث خشية الغلط

لكنَّ هذا في السليقي سقط                      لأمنِه من الوقوع في الغلط

و”السَّلِيقي” هو من كان يتكلَّم العربية بالسليقة قبل أن يفشو الخطأ كعرب الجاهلية وكأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يتكلمون العربية بغير خللٍ، ولا يُخشى عليهم أن يرووا كلام الله أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم على وجهٍ غلطٍ ولا فهمه على خلاف الصواب.

قلتُ: ونتيجة اختلاط العرب بغيرهم من سائر القوميات إبَّان الفتوحات الإسلامية وفيما بعد ذلك فشا الخطأ وزاد مع مرور الزمان حتى صرنا إلى هذا العصر الذي لا يخفى ما فيه من فسادٍ وظلامٍ وما يعانيه الكثير من جهلٍ بلغة الآباء والأجداد، وزاد الطين بِلَّةً أننا صرنا نسمع بإلغاء تدريس مادة النحو في بعض المعاهد والمدارس، ولست أدري بأي عَوَرٍ يرى البعضُ اللغة العربيةَ عائقًا عن مواكبة العصر وقد أنزل الله القرآن الكريم بالعربية فما ضاقت عن حفظه وعلومه وتفسيره، والرأي أن بعض الناس يُحاربون اللغة العربية للنيل من الإسلام وبعضهم ضعفت عقولهم عن فهم العربية فأعرضوا عنها، والمشكلة في هذه الحالة فيهم لا في اللغة العربية وعلومها والنحو وقواعده. وبناءً عليه صرنا نرى كثيرًا من الجهلة الغوغائيين يتصدَّرون لبث سمومٍ يزعمونها علومًا فيضلّون ويُضلُّون، وعند النظر في سبب ما ورَّطوا فيه أنفسهم من العقائد والأفكار المردية نجد أن الذي أدى بهم إلى تلك المهالك الجهل بعلوم العربية لا سيما النحو، فمن لم يكن ذا درايةٍ بالنحو فلا يُؤمَن عليه إن قرأ في القرآن أو الحديث من تلقاء نفسه أن يكذب على الله ورسوله وهو لا يدري كمن يقرأ مثلًا “وَرَسُولِه” بدل “وَرَسُولُهُ” في قوله تعالى: {أن الله برىءٌ من المشركين ورَسُولُه} سورة التوبة، أو غير ذلك مما هو غلطٌ فاحشٌ وضلالٌ مبين.

ولأجل ما يكون عليه من فهم النحو من ضبطٍ وحُسن فهمٍ قال الإمام الشافعي:”من تعلَّم النحو هِيب” رواه ابن الجوزي في “صفة الصفوة”. وقد أخرج المرهبي أن سيدنا عمر بن الخطَّاب مرَّ بقومٍ قد رموا رَشقًا فأخطؤوا، فقال: ما أسوأَ رميَكم. فقالوا: نحن متعلمين. وكان الصواب أن يقولوا: نحن متعلمون. فقال سيدنا عمر: لحنكم (خطؤكم) أشد عليَّ من رميكم، سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: “رحم الله امرأً أصلح من لسانه”.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

 

 

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi