كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف :* *مأزق الإستحقاق الرئآسي … يلزمه حوار سياسي …*

*لبنان الكبير ، قد نشأت فكرة دولته من تفاهم الحلفاء المنتصرين على الأتراك في الحرب العالمية الأولى حيث كانت ولاية لبنان تتبع للسلطنة العثمانية ، وتم الفرز عبر إتفاقية سايكس – بيكو ليكون لبنان وسوريا من حصة السيطرة الفرنسية ، وبقية البلدان المحيطة من حصة السيطرة الإنكليزية ، وبالتالي كانت الحدود بينها من ترسيم المحتل ، ووضع الأنظمة والقوانين من تشريعاتهم ، وتوزيع المناصب والتوظيفات من مقرراتهم ، وقد إستدام هذا الوضع حتى قيام الحرب العالمية الثانية ، إذ حصل التبدل الكبير في الهيمنة على هذه البلدان ، ودخلت أميركا على خط التوازن السياسي ، وإمتلكت القرار ، الذي يوزع الأدوار ، مع تركيز وتثبيت الأنصار ، بما يتوافق مع تثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين ، بعد الإعتراف به في هيئة الأمم سنة ١٩٤٨ ، وترتيب أنظمة الدول المحيطة وسلطاتها بهذا الإتجاه ومنها لبنان …*

ومنذ إعلان قيام الدولة المركّبة للبنان ، فإن قراره السياسي ، وحتى التوزيع الرئآسي ، وكل ما يجري له من أزماتٍ ومآسي ، وتنازع على المناصب والكراسي ، من قبل الأتباع والحراسِ ، الذين يتسببون بالوضع القاسي ، والذي أوصل البلد إلى الإفلاسِ ، بسبب النهب والإختلاسِ ، وباتت معهم من الثوابت والرواسي ، فخرجوا عن قيَم البشر والناس ، وإستمروا بلا حياءٍ على هذا المراس ، من دون شعورٍ وطنيٍ ولا إحساس ِ، ورقابهم تنتظر الضرب بالفاس …
*عند كل إستحقاق إنتخابي لبناني ، تتحرك كل الأجهزة الداخلية والخارجية ، وخاصة السفارات والوفود والمبعوثين ، الذين يعنيهم هذا البلد ، من حيث المصالح الجيوسياسية والإقتصادية والأمنية وغيرها ، لتكون لهم مراكز قوى ، وأنصابٍ وأزلامٍ ينفذون الرغبات والغايات ، لتتناسب مع ما يضمرون ويخططون ، وما يتناسب مع تسلطهم وهيمنتهم على العالم ، وعلى المناطق الإستراتيجية الواردة في خارطة الطريق ، التي يرسمونها وفق مصالحهم في كسب السلطة والمال ، وفي كل التدابير التي تقودهم إلى التحكم بمسار الأمور ، للوصول إلى الغاية المنشودة ، وتحقيق الأمن والسلام لمسيرة التسلط ، مهما كانت الوسائل المستخدمة ، من دون إعتبارٍ للشعوب ، بالعدد والعدَّة ،لأن حسابات الربح والخسارة عندهم ، تقاس بميزان السلطة والمال ، وليس بالحرام والحلال …*
إن كل الشعارات والعناوين العريضة ، التي يطلقها من يدَّعي حقوق الإنسان والحريات العامة ، وحرية التعبير للشعوب بإختيار ما يشاؤون ، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية لكل بلد ، ليست إلا أضغاث أحلامٍ ، لدى الشعوب المستباحة على كل الصعد ، ولا سيما الشؤون السياسية والإقتصادية والأمنية ، وغير مسموحٍ لهم ، أن يغرِّدوا خارج السرب ،أو سلوك الدرب الذي يعاكس خارطة طريقهم المرسوم ، والذي يؤدي إلى مأمنهم في التسلط ، وإطمئنانهم بإمتلاك زمام الأمور ، وعدم خروج أي بلدٍ عن مسيرتهم ، ولو كان أصغر من لبنان ، وأقل من أي منظمة تثور عليهم وتعارض سياستهم ، لئلا أن يتوسع الشرخ وتتمزق خارطة طريقهم وتفشل مخططاتهم ….
*لذا لا نستغرب كل هذا الإهتمام الدولي وكثرة الموفدين والمبعوثين على أعلى المستويات ، لكي تنضبط الأمور على الحدود الجنوبية للبنان ، لئلا تخرج مسألة الهيمنة عليها من يد الطباخين ، كما خرجت غزة من تسلطهم ، وباتت حرة تفرض شروطها ، وتم لها الإفلات من الإمساك بزمام الأمور ، وقد فرضت عليهم عملية طوفان الأقصى ، وإنتفاضة بعض المنظمات على الإحتلال الصهيوني في فلسطين …*
التوتر الكبير وزعزعة تنفيذ الخارطة ، وتأثيرها على عمليات التطبيع والمعاهدات مع دول المنطقة ، وهذا أمر خطير لهم في عرقلة المسيرة ، وبالتالي في إكمال مخطط التسلط والحكم الذي يثبت إمتلاكهم لزمام الأمور ، ويقلب الموازين لغير صالحهم ومصالحهم …
*من هنا نشهد على الإهتمام بالإستحقاق الإنتخابي لرئإسة الجمهورية وبالتالي رئآسة الحكومة معها لضبط الأمور ، وأيضاً ضبط الحدود ، خاصة مع الكيان اليهودي الصهيوني ، وإتمام ترسيمها رسمياً وفق خارطة الطريق ، ولجم كل تحرك وتأثير لأي مقاومة وإنتفاضة ، كما يتم التعامل معها بقسوة في غزة ، التي قضَّت مضاجعهم ، وأثارت وجعهم ، وباتوا لا يتحملون أيِّ بؤرةٍ أخرى ، أو فتح ثغرةٍ في جدار التحصين لهم ، والمرسوم ضمن مخططات هيمنتهم ، فكانت اللجنة الخماسية ، التي حدَّدت مهِمّتها بالإنتخابات الرئآسية ، لتنعكس على ترسيم الحدود اللبنانية ، وليس فقط الجنوبية ، إذأثيرت فجأة كافة أبراج مراقبة الحدود السورية ، لتكون محسومةً بالمعاهدات الدولية ، وإستكمال ترسيم الحدود البحرية ، كما تمت بوصاية إيرانية وأميركية ، وتستكمل مع الحدود البرية ، وتوسيع مهمات اليونيفل الأمنية ، وإنحسار مهمات المقاومة العسكرية ، حتى تطمئن الحكومة الصهيونية ، على إستكمال تطبيعاتها العربية …*
مع هذا التحرك الدولي والعربي ، خاصة بالإهتمام الإنتخابي ، عبر الموفدين أو اللجنة الخماسية الخارجية من قبل المبعوثين ، أو الداخلية من قبل سفرائهم مع الرؤساء والنواب والحكومة ، وللكتل والفئآت اللبنانية ، تأتي بالتنسيق والتفاهم والتضامن على تنفيذ الأهداف المرسومة ، ومنها إعادة المطالبة بالحوار فيما بينها ، حتى تستوي الطبخة ، التي تتناسب مع خارطة الطريق ، والتي تنفذ بالمنطقة ككل ، حيث تشترك الدول الخمس هذه ، بإعداد وتنفيذ مسيرتها ، وبإخراج نظامها وتسويتها على أسس التوزيع الطائفي والمذهبي والفئوي ، بما يفيد الخارطة ، وبما تستفيد منها كل هذه الدول ، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني ، الذي يبني قاعدته على معاهدات السلام المزعوم ، وصفقة العصر ، ووجوب التوافق الداخلي من كل الفئآت ، للوصول إلى المبتغى المطلوب …
*وعليه فقد إنتعشت دعوة الحوار ، وأنزلت عن الرف ، ووضعت على نارٍ حاميةٍ ، وباتت على طاولة البحث ، لتكون المظلة التي تحيط وتغطي الجميع ، دونما حرج شعبوي ، إذ أن أخبار التصعيد في الجنوب يعطيها دفعاً قوياً للمسير في درب التسوية الشاملة ، وبوجود سلطةٍ كاملةِ المواصفات الدستورية ، لتكون على مستوى المعاهدات الدولية ، والقوانين الداخلية المرعية …*
هذا الأمر الأساسي من مستلزمات التسوية في المنطقة ، لذا جاءت الإشارة الخضراء لهم ، من أجل التحرك في خضم هذا المضمار ، وباتت كل الكتل والفئآت ، جاهزة للدخول إلى ميدان الحوار ، وتجاوز كل الحسابات والمواقف السابقة في تمرير الوقت …
*إن ساعة الحسم ، قد دقَّت على أوتار الكانون الأميركي ، وحركات المايسترو معها ، والتي تتناغم مع فرقة الأوركسترا السياسية في لبنان ، ليتم الغناء الجماعي ، بدل أن يغني كلٌ منهم على ليلاه ، فيأتي الإستحقاق الرئآسي ، متخلِّصاً من أزماته ، على طبق من ذهب الإحتياط اللبناني ، وضمن حوارٍ هادفٍ على النغم السياسي …*