*كتب الإعلامي د. باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت :*أبعاد التحرك الجامعي …لفرض الأمر الواقعي

*أبعاد التحرك الجامعي …لفرض الأمر الواقعي …*

*إن معظم الثورات في التاريخ ، تبدأ تحركاتها من عنصر الشباب ، ومن أصحاب الهمم العالية ، الذين ينتفضون دوماً لأجل الحرية ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، لما يجيش في شعورهم من أسُسِ العيش الكريم ، الذي يعطي للإنسان دورَه في الحياة ، ومعنى الوجود على هذه الأرض ، التي يستعمرها لتحسين أحواله ، في ظلِّ العدالة والحقوق لبني البشر ككُل ، وأن يكون الجميع متساوون في الحقوق الإنسانية والواجبات ، وحرِّية الشعوب بتقرير مصيرها ، دون إتّباع الظلم والإستبداد لقهرها والتسلط عليها بالقوَّة الضاربة ، التي تسحق قرارها وإعتماد حرِّيتها بإختيار أهدافها ومصيرها ….*
هذه المبادئ والقواعد الحياتِيّة في العيش الكريم ، وهذه القيم والأسس المعتَمًدة بتدريس الطلاب في الجامعات ، وحتى التلاميذ في المدارس ، ليغرِسونها في الضمائر والشعور منذ الصِّغر ، لتكون علماً يُحتذى به في الكِبَر ، كما يقول المثل الشعبي : *( العلمُ في الصِّغَر كالنَّقشِ على الحجَر )* …
*وبالفعل فقد تكرَّست العلوم في الجامعات ، وفي الأنظمة والقوانين ، وفي الإتفاقيات والعقود ، حتى باتت من أسُس الأنظمة والمجتمعات ، لتفرض على البشريَّة بالتطبيق الجَماعي ، ليعُمَّ العدل والمساواة ، حتى يصل الحق إلى نصابه ، لذا تكرست هذه المبادئ في المنظّمة الدولِيَّة الأولى عبر الأمم المتحدة ، وفرضها عبر مجلس الأمن ، على كل الأنظمة والقوانين الدولية، وقد رُسِمت العلاقات بين الدول من خلالها ، وإعتُمِدت على أسُسها الإتفاقات الدولية …*
من هنا إنطلقت شعارات الديموقراطية والحريات العامة لتطبيق حقوق الإنسان ، وتقرير المصير للشعوب عامَّةً ، وعدم التدخل بالشؤون الداخليَّة لهم من قبل الغير ، مع تشجيع الإنفتاح والتلاقي والتعاون والتسامح ، ليعيش الجميع بأمنٍ وأمانٍ وسلامٍ ، وتآخِي بشكلٍ حضاريٍ …
*إلا أن النشاز الشيطاني ، يُعطل بعض العقول ، لتنحاز عن هذه الأسس والمبادئ ، من أجل فرض إنحرافها وعنجهيتها بتعقيدات فكرية وذهنية ، خاصةً من هؤلاء الموتورين المتشَدِّقين بالوصول إلى السلطة والمال ، الذين يريدون التملُّك بالأرض والبشر ، والهيمَنة على كل مقومات الحياة ، خاصُة إذا ما إمتلكوا القوَّة ، لتجاوز كل المبادئ والقيم والأنظمة والقوانين الدولِية والجة …*
وهذا ما سلكته المنظمة الصهيونية العالمية ، منذ بدء تشكيلها وهيمنتها على بني اليهود ، بشعاراتٍ واهيةٍ بأن الحياة قد وُجدت ووُهبت لشعبهم المختار ، ووجُود باقي البشر لخدمَتِهم …..
*إنطلقت هذه المنظمة بهكذا أفكارٍ منحرفَةٍ وبأساليب ملتويةٍ وشعاراتٍ فضفَاضةٍ فارغَةٍ ، فركبوا موجة المبادئ والقيَم ، وصوَّروا للعالم بأنهم هم الأذكى ، الذين يتولّون السير بهم لخدمة الإنسانيَّة والإخاء والمساواة ، حتى إستسلمت الحكومات والأنظمة والمنظمات ، وخضعت لحبائلهم وأضاليلهم ، ليبنوا عليها تسلُّطهُم ، وبناءِ دولتهم وفق تعاليمهم وبروتوكالاتهم ، التي نفَّذوها بحذافِيرها ، بدءاً من إحتلالهم لأرض فلسطين ، وتوسُّعهم للسَّيطرة على المنطقة العربية ، وفقاً لشعارهِم : (بإقامة دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل) ، وعليه يستمر التوسع إلى خارطة الطريق ، بشرق أوسطٍ جديدٍ ، حتى يتمَّ لها ما تريد ، من التسلُّط على الكرة الأرضية عبر إعتمادهم على مبدأ : (الغاية تبرِّر الوسيلة) …*
إن القضية الفلسطينية التي ترافقت مع غاية الحركة الصهيونية بإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين ، وذلك بإحتلالها وإغتصابها بالقوة ، وتشريد أهلها ليكونوا بشتات الأرض ، أو بإبادتهم ليحل مكانهم اليهود وإستقدامهم من شتات الأرض ، والدول التي تحويهم ، وقد تم ذلك منذ أكثر من مائة عام ، ولازالت القضية الفلسطينية تتفاعل بين المد والجزر ، وإستخدام كافة الأساليب المقنَّعة بوجوه المبادئ والقيم ، والأمن والسلام وحقوق الإنسان ، والعدالة والديموقراطية والحريات العامة ، وأن العالم أجمع يتطور ويرتقي بفضل سياستهم الحكيمة التي تقضي بها على البشرية ، من خلال الإنحراف بكل معاني العيش ومناهج الحياة ، لتسييرها على نمط الشيطنة التي تفتك بالإنسان ، لتسود تعاليمهم وأفكارهم من خلف الستار والأقنعة المختلفة على كل الصعد ….
*إن ما يجري في فلسطين من مجازر وقتل وتشريد والتعدي على الأرض والعرض منذ أكثر من مائة عام وخاصة في السنوات الأخيرة ، أكان في القدس أو الضفة الغربية ، وما تبقى من الأرض التي يتواجد فيها الفلسطينيون ، من بعد أن قضمها اليهود بمجملها ، رغم قرار تقسيمها إلى دولتين في الأمم المتحدة سنة / ١٩٤٨ ، ورغم إتخاذ العديد من المقررات بعدم الإستيطان والإنسحاب من الأرض المحتلة ، وهذا جميعه يجري أمام الرأي العام العالمي ، الساكت عن الحق بفعل الخيانات والعمالة الغربية والعربية ، التي تحصل مع المتشدقين إلى السلطة والمال ، وتلك التي تتملكها الحركة الصهيونية حيث تبيع وتشتري بها العقول المعطلة والضمائر المنفصلة ، وخاصة المصابون بالعقم الفكري والتدبير الإنساني…*
إن عملية طوفان الأقصى والإنتفاضات المتتالية من أطفال الحجارة والمواجهة الجهادية التي رفضت الخنوع للإحتلال بشتى الطرق التي تعبِّر عن حريتهم وحق تقرير مصيرهم ، وإستعادة حقوقهم بالأرض والسلطة والحكم ، وما يجري من ردَّات الفعل العنيفة ، التي تعكس حقيقتهم وأفكارهم المنحرفة وغايتهم الشيطانية ، والتي تكرَّست أخيراً على أرض غزَّة ، من تقتيلٍ وتدميرٍ وحصارٍ وتجويعٍ ، بأبشع الصور والمشاهد التي تقزِّز النفس البشرية ، ولا تستطيع النفوس تحمُّلها ، والتي إنتقلت إلى العالم أجمع عبر شبكات التواصل والقنوات مباشرة ، وهي التي أوجدوها للسيطرة على الشعوب ، فجاءت كالسَّيف على رقابهم بمبدأ : (وداوني بالتي كانت هي الداء )…
*فجاءت كالصاعقة التي نزلت على نفوس الناس وكشفت الوجوه المغطاة بالأقنعة الواهية ، فإنتفضت شعوب العالم ونزلت الشوارع والساحات للتعبير عن رفضها وإستنكارها بل بالمناداة لإتخاذ العقوبات بحق الكيان اليهودي والحركة الصهيونية ، التي تم إفتضاح أكاذيبها عن بكرة أبيها …*
إن تعبير شعوب العالم بالمَسِيرات الجيَّاشة قد أعطت ثمارها بالتغيير على أكثر من صعيدٍ سياسيٍّ وإقتصاديّّ وإعلاميٍّ ،
وحتى فكري وثقافي ، تجاه اليهود والصهيونية وحِيلَة معاداة السامية ، التي فَضحَت سيرتها ومسألتها ، المبنيَّة على الكذِب والإفتراء ، وهي من ضمن أساليبهم المستخدمة مع باقي الفئآت البشرية…
*إن الأنظمة بسلاحها للدمار الشامل ، والمنظمات بمقرراتها وإستخدام الفيتو معها ، ورغم كل التحركات الشعبية أمامها ، والمطالبة بوقف حرب الإبادة والقتل ، فهي لا زالت مستمرة بالدعم والمؤآزرة والمشاركة ، بحرب التدمير والإبادة للشعب الفلسطيني ، وخاصة لأبناء غزَّة والقضاء عليهم ، دونما أي إعتبار لحقوق الإنسان والمرأة والطفل ، وعوامل الشيخوخة ، والإعلاميين والأطباء ، ورجال الإسعاف والدفاع المدني ، ولا حتى متطوعي الخدمات الإنسانية ، ومنهم بالمنظمات الدولية ، فقد كشَّروا عن أنيابهم الحقيقيَّة ، والتي كانت مخفيَّة خلف أقنعة الإنسانيَّة والسلام والتقدم …*
كل المعطيات الميدانية ، ورغم مرور أكثر من سبعة أشهر على الحرب العبثية الضروس ، ضد غزَّة وأهلها ، لم تصل إلى تحقيق الشروط المعلنة لها ، سوى الدمار والخراب والقتل الجماعي ، ورغم نداءآت العالم أجمع لوقف حمام الدم والمجازر البشعة بحق الإنسانية ، لنشهد الخطوة الجريئة من التصعيد الشعبي ، التي قام بها طلاب الجامعات الأميركية أولاً ، حيث التناقض فاضح ، بين البلد الذي يحوي أكبر تمثال للحرية ، ونظامه الذي يحوي أكبر مخزون للإستبدادية ، وأيضاً بين ما يسمعه الطلاب من علوم الديموقراطية والحريات العامة ، وبين ما يرونه من ظلمٍ وإستخدامٍ للقوة والقمع في قهر الشعوب …
*وهذا التناقض قد أثار حفيظة الطلاب ليثوروا في جامعاتهم ، وتكبر كرة الثلج في تدحرجها ، لتشمل معظم الجامعات وحرماتها ، كما تمت مشاركة الأساتذة لطلابهم ، في إبراز التطبيق السلبي من شذاذ الآفاق لعلومهم ، وقد توسعت هذه الحركة لتشمل جامعات أخرى في بلدان العالم لتكون هي هزَّة الضمير العالمي ليستفيق من سباته ، وإنهاء السكوت عن الأضاليل ، التي إرتكبتها الصهيونية ، بحق البشرية ، مستفيدةً من سقوط الأقنعة ، وإنكشاف الوجوه السافرة ، لمستغلي الشعوب والقابضين على زمام الأمور ، التي توجَّه لمآربهم وأطماعهم في التسلط والهيمنة على العالم …*
إن تحرُّكَ عنصُر الشباب وخاصةً الطُّلاب منهم ، له تأثيرٌ كبيرٌ على الأنظمة المُستبدَّة ، وخاصة في التعبير عن الحُرِّيات العامَّة ، التي يتعلمونَها في جامِعاتهم ، ولا يرَونها في حيَاتهم ، فكَما أسقَط الطُّلابُ العديدَ من الأنظمة ، وقادةٍ عظامٍ في التاريخ الحديث ، *(مثال ذلك ديغول فرنسا )* ، فإنهم قادرون أن يقتلِعوا الشيطان الأكبر ، المتعشِّش في العديد من الأنظمَة المُستَبدَّة ، التي تتحكَّمُ بشعوب العالم …
*لذا شهِدنا المواجَهات القمعيَّة المباشرة مع الطّلاب والأساتذه بشكلٍ تعسُّفيٍ ، حيث الإحساس بدُنو الأجل والتغيير المُحتَّم لهذه الأنظمة ، التي تدَّعي الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ، وهي تشارك بقوة وفعالية ، بالقتل والإبادة الجماعيَّة ، وهو بات أمرٌ واقعيٌ ولا بدَّ آتٍ ، مع حماسَة الطُّلاب وهذِه التحَرُّكات …*