مقالات خاصة

هجرة أدمغة… أم هجرة إنسانية؟

هجرة أدمغة… أم هجرة إنسانية؟

رئيسة منتدى العلاّمة الدكتور مصطفى الرافعي الثقافي فلك مصطفى الرافعي

الغوص في أمواج الهجرة يتطلب مجاذيف من توصيف تعددي لمعان باتت أكثر من متماهية وأحيانا أكثر من متنافرة، والبداية من كلمة شائعة تثير الجدل عن هجرة الأدمغة من لبنان كناتج طبيعي لظروف الإقتتال الذي فرز المناطق والطوائف والمعتقدات، واليوم بفعل التراجع المعيشي الحاد، لتبقى الكلمة ذات بُعد طريف إذ ما كانت هجرة الأدمغة شمولية فهذا ما يرمينا بالتخلف والمحدودية كشعب متمسك بأهداب الوطن .
فليس من بقي على حدود الجغرافية اللبنانية هو متخلف بل ربما مختلف لأن الهجرة تتشعب أمامه كضياع للغة والعقيدة والعادات ، أو ربما البعض مازال متمكنا من البقاء رغم الخوف والحذر والجشع والاحتكار واختفاء الضروريات فجأة تعيق حركة المناضل الباقي على نشيد كلنا للوطن، ولعلّ في تزامن اختياري لفكرة المقال مع دعوة الصديق الزميل في الشبكة اللبنانية للتنمية الاستاذ زياد كمالي رئيس الجمعية اللبنانية الكندية حيث أقام ندوة لشرح فكرة وإمكانية وآلية الهجرة الى كندا بعد دخول مافيات على هذا الخط، وهذا ما ينطبق عليه كلمة الهجرة الإنسانية لتأمين هوية محترمة ونظام راقٍ وعمل شريف وبيئة نظيفة واحترام كلي للإنسان، ولكن دائما هناك المحاذير من ضياع لمروحة من المكتسبات الوراثية والأعراف والقوانين الشرعية والمدنية وأهمها ذوبان اللغة العربية من الأجيال التي تلي الهجرة بعقود قليلة .
فهجرة الأدمغة غير مقصود بها كل الأدمغة وإلاّ ماذا نقول عن… وعن… وعن…
أما المفهوم ذو الأبعاد الإيجابية للهجرة في مواعظ وأمثلة الهجرة النبوية الشريفة التي تأسست لقيام أول دولة في الجزيرة العربية وأول حكم ومجالس شورى وخلفاء وأنظمة تستقي أحكامها من وحي تنزيل الشرائع السماوية ، فتلك الهجرة هي للحضارة والتوسع والتنوع وكفلت حفظ اللغةوالنسب والأعراف والتقاليد الآخلاقيةرغم التباعد في العادات مع مختلف البلاد التي وصلتها معاني الهجرة حيث كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن لا هجرةٍ بعد الفتح فكل ما تلاها حركة إنتماء وقناعة وتسليم وليس استسلاما قاهرا.
وها نحن اليوم تأكيدا لذلك نرى التركيز على لبنان المهاجر والذي يفوق عديده سكان لبنان واستحضارهم لغايات سياسية وربما طائفية للمحافظة على توازن ديموغرافي وخاصة بعد النزوح المتكرر إلى وطن لا يحتمل الكثير من الضغوطات الانسانية والمعيشية وخاصة في مجالات العمل والعمالة. مع الاشارة ان طبيعة التقارب بين البلاد العربية ، فالسفر للعمل ضمن الوطن العربي لا تحمل معاني الهجرة بمضامينها الخطيرة .
وفي الهدف من معالجة الموضوع بالعودة الى ارشيف الذاكرة المكتوبة عن المرافئ اللبنانية التي حملت سفنها الآلاف من اللبنانيين بظروف دولية ومن معاناة داخلية الى دول الاغتراب عبر بحار ومحيطات اعطت لهم بتقادم الوقت هويتها ولغتها وعاداتها.
واسقطت الهجرة كل ما تحمل شخصية العربي أللهم إلا ما يؤمن به في روعه وخاطره، وهذا لا ينسحب على ما بعد جيل الأولاد والأحفاد.
وعندما تتأمن الحدود الدنيا للمواطن يلغي من قراءته صفحات الهجرة ، وإلا فهي العامل الأول لتفكك الأسرة والمواطنة .
فهل نحلم بوطن وقيادة تحد من هجرة بعض الأدمغة وأيضا الهجرة الإنسانية ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى