مساهمة من الأديب الأستاذ زين الدين ديب

لبنان على قائمة الفاو للدول الجائعة

ألف مبروك الإنجاز العظيم ..

كنا نخشى من تصنيف وكالة موديز ، صرنا اليوم من اختصاص الفاو ، قسم المجتمعات المتعثرة .. وبالدارج ” المجتمعات المعتّرة من المصدر : التعتير ” …
كلّ هذا الإنجاز ، ولا زال شرلوك هولمز يحمل عدسته المكبرة للبحث عمّن نهب المال المنهوب ..

يا سبحان الله !!! .. وكأن المال المنهوب لا بد له من ناهب ! .. أو أنّ تفجير المرفأ يحتاج لمفجّر ! .. هذا ، يا استاذ شرلوك يصح في بلاد العالم .. أمّا في بلاد التعتير ، فالقاعدة غالباً أنّ المفعول ليس له فاعل …

بالأمس كانت القبائل والطوائف في بلاد التعتير ترقص فرحاً ، وتقيم الأعراس والموالد ، وتنفق بسخاء وتشوي لحوم الضأن والطير في المنتجعات صبحاً ومساءً وفي عزّ الظهيرة .. وكانت المعالف ملأى ممّا لذّ وطاب .. وكانت حياة الناس أشبه بأفلام الكرتون ، وكلّ شيء كان ممكناً وأشبه بالخيال .. وكان الشعب حتى “ثمالته” يتقمص أضحوكة توم وجيري .. وكان توم ، الهرّ اللطيف ، يركض في الفراغ هارباً ، دون أن يعي أنّ ما تحته هباء .. لكنّه مع ذلك كان يركض ، ولم يكن يهوي الا حين ينظر الى الحقيقة المرعبة تحته ..

اليوم توم هوى .. وثمّة رواية تقول أنّه قد استفاق ، لكن على خلاف مستحكم بين الرواة .. قالوا له ، قبل أن يهوي ، أنّ بلاد التعتير مصانة بحقوق الطوائف وأنّها لا تنهار ..

وهو قرأ ، ذات يوم ، في كتاب التربية “الوطنجية” انّ الحياة السياسية قي بلاد التعتير توافقية.. وما قالوا له علام التوافق ؟ ومع من ؟ معه أم مع جيري ، أم مع ذاك الكلب الأرعن الذي لا همّ له سوى احتضان عظمة بالية ؟!..
ام هو على كرتونة إعاشة مثلاً رشحت ببعض زيتها المقدس من بقايا الميثاق الوطني ؟!..
أم على ذلك الدستور الذي أكله الحمار في احدى المسرحيات الهزلية ؟..

آه لو كانوا توافقوا ، وهم ينهبون المال المنهوب ، على ان يبقوا له كرتونة إعاشة.. حتى هذه صارت حلماً …

أو تدري ، أيها المواطن في بلاد التعتير ما كرتونة الإعاشة ؟! .. احسب معي : شاي ، زيت ، حليب ، ارز ، سكر ، حُمُّص ، فول ، مربى ، حلاوة  الخ …
هذه الكرتونة التي كانت تصلك حتى باب بيتك كصدقة السرّ ذات يوم من أيام الحرب الأهلية ، صارت حكاية كحكايات الجن تروى للأجيال في الف ليلة وليلة.. وصرت اليوم تحتاج لخوض حرب أهلية كي تحصل على مكون من مكوناتها .. حتى كرامتك ، كآخر خط دفاع عن إنسانيتك ، داسها زعماء التوافق تحت شعار الغذاء المدعوم ..

بات الدعم عظمة يلقونها ليتهافت عليها الجائعون أين منهم الذئاب الكاسرة في “تناتشها” جيفة الصيد الهزيل ..

فعلاً يا حرام .. لقد هوت بلاد التعتير الى القعر .. لكن حتى القعر يبدو ان فيه درجات ومراتب .. فهل سنتبوأ القعر الأدنى ؟ .. من يدري ؟ .. العلم عند الفاو .. ثم عند زعمائنا الذين ما نهبوا المال المنهوب …