الخدمات الاعلامية

التحييد وليس الحياد يا غبطة البطريرك

شكّلت دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الحياد، نقطة تحول في السياسة اللبنانية، إذ أنها استعادت ربما عن غير قصد، أجواء انقسام اللبنانيين على هذه الفكرة، إبان الحرب اللبنانية والإنقسامات التي صاحبتها، والتي أدت إلى اندلاع أحداث جسامٍ، ساهمت بشكل أو بآخر في رسم المشهد السياسي الحالي.

هذا الحياد، الذي انقسم لبنان حوله فجر الأوضاع في 1958، وسبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى اندلاع الحرب اللبنانية الأهلية آنذاك.

في مقابل ذلك، دفع الشارع المسيحي إلى الإنعزال، وتشكيل الجبهة اللبنانية حينها، وقبول فكرة الكانتون، أو الإنفصال مقابل فكرة الوطن الواحد الموحد.

لا نَسوقُ هذا الكلام، لننكأ الجراح -لا سمح الله– أو حتى نتهم جهة لبنانية بصفات لا تقبلها هي الآن على نفسها، بل أننا نسرد هذا الكلام لنقول، أن تاريخ الحياد مع لبنان غير صالح، لأن لبنان المركّب من عدة طوائف، ربما يصحُّ أن يقال عنها كلها أقليات داخل الموزاييك اللبناني، لكن داخل هذه الأقليات لا بدّ من الإعتراف أن هناك قوميون، وعروبيون، ومسلمون ووحدويون…إلخ.

هؤلاء لا يمكنهم تحت أي ظرف من الظروف، أن يتطرفوا نحو الحياد المطلق.

فلا حياد مع انتصارنا لفلسطين، أو المقدسات، ولا حياد مع وقوفنا إلى جانب أخواننا العرب مهما كانت الأسباب، ولا حياد مع مواجهتنا لاحتلال بلادنا العربية، والإسلامية، بل أنه لا حياد مع تربية الجماهير على حمل قضايا الحق الإنساني في كل العالم.

نحن أمة يا غبطة البطريرك، لها تاريخ معروف ولها امتداد خالد.

نحن أمة لا تطوف بالكعبة لأنها أرض سعودية ولا تزور الأهرام، لأنها مصرية ولا قصر الحمراء على أنها أرض إسبانية.

نحن أمة تحب وطنها، وتقدس ترابه، وتزود عنه بالغالي والنفيس، لكنها لا يمكن إلا أن تتفاعل مع قضايا أمتها العربية والإسلامية.

وأعتقد أن جزءاً كبيراً من أخواننا المسيحيين، يحملون نفس القيم الحضارية التي نحملها، ويتأسون بالعيش كما نحن، وهم لا يشعرون يوماً أنهم أقلية في محيط ينتمون إليه.

“التحييد” يا غبطة البطريرك، الذي نحترم، هو الملاذ وليس الحياد، “فالتحييد” فعل واعٍ يفكر في الأشياء ويبرر للجماهير المصلحة الوطنية، لكنه يتفهم اندفاعتهم العاطفية والنفسية.

أما الحياد فيعزلهم عن محيطهم ويجرّم إنتماءهم ولا يحترم اندفاعهم العاطفي ولا النفسي، وقد يصل بهم إلى العنصرية، والشعوبية، التي اجتاحت بلادنا بفعل الحرب اللبنانية التي أُسّست على اختلاف أحدُ أركانه فكرة الحياد اللبناني.

لذلك، فنحن كلنا مع الشعب السوري لكننا وبإزاء المصلحة الوطنية مع تحييد لبنان عن صراعات داخله خصوصاً النارية منها.

فالتحييد يمكن معه أن نتعايش جميعاً، ليس على قاعدة المماشاة، والتكاذب -لا سمح الله- ولكن على قاعدة أن كلا التحييد والحياد، يبعدان لبنان عن الأخطار، لكن أحدهما ينقسم اللبنانيون حوله، والآخر يلتفون عليه.

غبطة البطريرك المحترم…

لا تُصدّقنّ أن “لبنان أولاً”، التي أطلقها الرئيس سعد الحريري، كفيلة بتكريس السّنة ليصبحوا طائفة، فنحن أمة كنا وسنبقى لا نعرف حدوداً، وقد كُتبَ لنا الخلود.

لا نستطيع إلا أن نبكِ ونتفاعل مع قضايا أمتنا وجوارنا، إلا إذا وجدتم دواءً ينزع الإحساس من قلوبنا والرحمة من أفئدتنا.

كل الاحترام لكم غبطة البطريرك وهي رسالة محب….

 

في 24/ 02/ 2021

عامر أمين أرناؤوط

رئيس تحرير موقع أيوب الإخباري

كاتب ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi