من اوراق حسن صبرا/ قال لي علي صبري: امران لم يستطع عبد الناصر متابعتهما/ الشراع

لم يتسن لي مقابلة الرجل القوي والصادق في عصر جمال عبد الناصر ، علي صبري الا بعد خروجه من السجن الذي زجه فيه انور السادات ، اثر انقلابه على خط جمال عبد الناصر اعتبارا من 13/5/1971.
كان اللقاء الاول مع نائب الرئيس السابق علي صبري في28/9/1984,في منزل  القائد جمال في منشية البكري في الذكرى السنوية الرابعة  عشر لرحيل جمال في 28/9/1970 .
وكان الكلام عاماً في المناسبة بحضور عائلة القائد ورجاله مع علي صبري ومنهم سامي شرف ومحمد فائق …
اللقاء الثاني مع علي صبري كان في منزل احد رجالات جمال المخلصين محمد فائق في منزله شارع نهرو في منطقة روكسي بموازاة حديقة ميريلاند الشهيرة
وهناك اتفقت مع علي صبري على اجراء اول حديث صحفي له من داخل مصر وخارجها ،
كان الحديث في منزل علي صبري في الشارع نفسه ( وللمنزل قصة يمكن روايتها فيما بعد )
قبل بدء الحوار السياسي مع نائب الرئيس السابق اتفقنا على فصل الحديث عن ذكرياته عن جمال ، عن الحديث السياسي الآني في تلك المرحلة ..
اما وقد نشرنا الحديث السياسي في الشراع يومها ، وقد اثارت مواضيعه اهتمامات مصرية وعربية ، ونقلت اذاعة مونت كارلو العربية التي كانت مسموعة بشكل واسع في بلاد العرب قاطبة بعضاً من مقاطع المقابلة . . فإنني سأنقل الآن ما لم ننشر من وقائع بناء على طلب علي صبري نفسه ، وقد رواها قبل بدء التسجيل الذي كان في يد الزميل صقر بدرخان ( كان خريجاً في معهد السينما وعمل مساعداً للمخرج المعروف علي بدرخان وكان زميلاً لفناني مصر الكبار في تلك الفترة)
قال لي علي صبري :
ان جمال عبدالناصر استدعاه بعد الإنتصار على العدوان الثلاثي( البريطاني – الفرنسي -الصهيوني )  على مصر الذي بدأ في 29/101956. وانتهى في 23/12/1956… وكان اللقاء بعد عدة ايام من النصر ، ليطلب منه اعداد دراسة عملية لإعمار سيناء .. شارحاً له ان كل الغزوات التي تعرضت لها مصر عبر التاريخ ، جاءت من الشرق ، لأن سيناء هي الخاصرة الرخوة لأرض الكنانة .. بسبب خلوها من السكان ، اذن ..فعلينا اعمارها ليكون الوجود البشري والعمراني والزراعي هي خطوط الدفاع الاساسية عن مصر ،بدءا’من قناة السويس الى مدن القنال الى القاهرة العاصمة والدلتا خزان مصر الزراعي والبشري
قال لي علي صبري انه بدأ بتشكيل لجنة من الاختصاصيين في كل المجالات ، وكلف كل واحد منهم او مجموعة بالاعداد لتقديم مشروع في اختصاصه لجمال … لكن مصر وجمال كان مداهماً دائما بالمشاريع القومية العربية الكبيرة ، فقد لاحقه البعض حقاً او توريطاً بشعار : فلسطين بعد القنال  يا جمال … اي اترك كل شأن داخلي او مشروع تنمية وبناء في مصر وتوجه الى فلسطين ..ثم كان الإنشغال بترتيبات اقامة الوحدة بين مصر وسورية ، واستقبالات جمال لضباط سوريين جاؤوا يفرضون عليه وحدة مصر وسورية ، ونقاشات لا تنتهي معهم .. وكان جمال يفرض على الضباط  السوريين شروطاً تعجيزية لتأخير انجاز هذه الوحدة ليتمكن من بناء دولة قوية في مصر اقتصاديا واجتماعياً ..

كان من ضمن الشروط التعجيزية منع السياسة داخل الجيش السوري ، وكان هذا مستحيلاً لكن الضباط وافقوا على هذا الشرط.

وكان من ضمن الشروط التعجيزية حل الاحزاب كلها في سورية ، ووافق الضباط على هذا الشرط.
يتابع علي صبري حديثه مع حسن صبرا فيقول :
قبل جمال الوحدة بعد ان اشترط على الضباط ان يأتي رئيس سورية شكري القوالي وحكومته اليه لطلب الوحدة ، فلما تم ما اراده جمال بدأ الاستعداد لاجراء استفتاء شعبي في مصر وسورية على قيام الجمهورية العربية المتحدة في 5/2/1958  ليتم  الاعلان عن قيام دولة الوحدة في 22/2/1958.. ليطوى مشروع بناء سيناء منذ ذلك التاريخ.

المسألة الاخرى المهمة

هي تشكيل لجنة لتنقية التراث الاسلامي .
قال لي علي صبري : ان جمال طلب منه بعد كشف مؤامرة الاخوان المسلمين ، لقلب نظام الحكم في صيف 1965 , التي اعدها ونظر لها سيد قطب،  تحت اشراف وتمويل الاستخبارات الاميركية والبريطانية والصهيونية ( الوثائق التي نشرتها هذه الاستخبارات بعد ربع قرن وبعد مرور ثلاثين سنة اكدت دور هذه الاستخبارات في دعم مؤثرة الاخوان المسلمين )
،تشكيل هيئة للبحث في مراجعة كل كتب التراث الاسلامي ، خصوصاً تلك التي استند اليها سيد قطب للزعم بأن المجتمع المصري كله ، وليس جمال او النظام او الحكومة او المؤسسات كافرة ، بل هي مصر كلها مجتمعاً وناساً وثقافة .. كلها كافرة ويجب الانقلاب عليها ، وقد ساندت ثقافة الازهر في كتب التراث الصفراء ،كما ساندت الاستخبارات الاميركية والبريطانية والصهيونية ، هذه المزاعم لمحاولة اغتيال جمال وقادة البلاد وفنانيها ومثقفيها …

كان هذا التكليف في نهاية 1965 .. وكانت مصر تعيش نجاح الخطة الخمسية الاولى التي اشرفت عليها حكومة علي صبري ( رئيس الوزراء) حيث بلغت نسبة النمو 6.7 % ولم تكشف الامم المتحدة هذا النجاح الا في عهد السادات عام 1976 , في دلالة على تآمر المؤسسات الدولية الواقعة تحت تأثير الولايات المتحدة على كل انجازات جمال العظيمة

قال لي علي صبري : بينما كانت اللجان التي شكلناها من اساتذة علم اجتماع ومفكرين اسلاميين مستنيرين ، ورجال دين من الازهر متنورين … تقرأ وتدرس وتناقش حصل عدوان 67 فتوقف كل شىء

ماذا قال علي صبري عن الرئيس حسني مبارك ؟
كانت قد مضت سنوات قليلة على تولي حسني مبارك رئاسة الجمهورية ، بعد اغتيال انور السادات في 6/10/1981 .. فسألت علي صبري عنه فقال لي :
كلفني سيادة الرئيس جمال عبد الناصر الاشراف على الدفاع الجوي عن مصر بعد الهزيمة العسكرية عام 67 وكان حسني مبارك طياراً يعمل تحت امرتي ، وكان مثالاً للإنضباط نموذجاً في الشجاعة والكفاءة …
سألت علي صبري : وماذا عن السياسة ؟ ابتسم علي صبري وهو يقول لي : لا ده مالوش دعوة !!

مجلةالشراع