الخدمات الاعلامية

المؤسسات الدينية بين الانغلاق والانفتاح!/ الشيخ د . محمد النقري/الشراع

الشراع 17 كانون ثاني 2023

ليس من السهل تحريك الساكن في الواقع الذي تسير على منهجه كثير من المؤسسات الدينية سواء الإسلامية أو غيرها في كافة الأديان، فتحريك الساكن في هذه المؤسسات التي أضفت صفة القداسة على كل ما يعني شؤونها وإن كان تدبيراً إدارياً، سيحدث استنفاراً لدى بعض الذين جعلوا من أنفسهم حراساً على أبوابها وحماة للدين والعقيدة، ورأس حربة ترفع في وجه كل من يعارض ويسعى الى التغيير والتحديث والتطوير.

فشخصية هؤلاء الحراس من هذا الصنف من رجال الدين مناقضة لشخصية المصلحين الساعين للتجديد والتوّاقين للإصلاح، فشخصية المجددين تنبع من نفس حرّة طليقة غير مستعبدة ولا مرهونة، وهي شخصية متنافرة الى أقصى الحدود مع صفات النفاق والمواربة ومسح الجوخ، ومتعارضة بطبيعتها وبمنطقها مع المؤسسات التي تجنح الى تدريب مجنّديها على تنفيذ الأوامر دون اعتراض أو مشاكسة، فلا تتوافق مع الشخصية العسكرية التي ينضوي تحت لوائها من يشترط عليهم مسبقاً المبايعة والإذعان لأوامر قادتهم، ولا تتوالف مع الشخصية الحزبية السلطوية التي لا تقبل أي انتقاد أو اعتراض أو تتدخل فيما يعتقده الزعيم والرئيس صواباً حصرياً وجازماً.

وفي المقلب الآخر فإن شخصية هذا النوع من الحراس المتشددة لا تتجانس مع شخصية رجل الدين المنتفض والناقد لما أدخل الى الدين من شوائب، وما ألحق به من معتقدات دخيلة ورواسب.

الخلل الذي يقع فيه بعض أفراد الحرس اعتقادهم بأنهم بتشدّدهم وانغلاقهم وعدم قبولهم الرأي الآخر، يحمون الدين ويمنعون عنه أي مخالفة لصحيحه ولثوابته، فأصبحت بعض المؤسسات الدينية التي يحرسها هذا النوع من رجال الدين ذات خصوصية إدارية أشبه بالمنهجية الحزبية في تفضيلها للصفات التي يشترط أن تتوافر في كل من يريد أن ينضوي تحت لوائها من شروط المبايعة والإذعان، في السرّاء والضرّاء، في الصلاح وحين ارتكاب الأخطاء، فلا قابلية للنقد والإعتراض لأوامر المرجع المسؤول، ولا قابلية أيضاً للتجديد والتطوير في مسائل الدين، خشية البدعة والوقوع في خانة المحظور وغير المألوف.
من هذا المنطلق واستتباعاً لمنطقهم الذي انحرفوا إليه: المخالف المعترض يهمل ويوضع على أعلى الرفوف، بينما المصفق المهادن يرفّع ويوضع في مقدمة الصفوف.

محاولات قديمة

قديماً حاول الإمام محمد عبده تحريك الساكن في منهج التعليم الأزهري فأصابه ما أصابه من هجوم شنيع من ذوي العمائم، فأنشد قائلاً على سرير الموت:
ولست أبالي أن يقال محمد أبلّ
أم اكتظت عليه المآتم‏
ولكن ديناً قد أردت صلاحـــه
أحاذر أن تقضي عليه العمائم

وحاول الشيخ عبد الله العلايلي في كتابه: أين الخطأ، أن يتجرأ على مخالفة بعض الأحكام الفقهية المتعارف أو المجمع عليها، فرمي باتهامات مغرضة أقرب الى التكفير والإخراج من دائرة الإيمان. كتبت فيما مضى عن فكره: «حين نتصارع مع نصٍّ دينيٍّ نعتقدُهُ دخيلاً ومشوَّشاً وغير ثابت، أو هو ينافي العقل السليم، فإنَّ هدفنا هو تنقية الدين والدفاع عنه. وحين يتمسَّك أصحاب الجمود والعقول المغلقة بهذه النصوص ويأبون المساس بها أو تأويلها، فإنَّنا نقول – مُحسنين الظن بهم – إنَّما هدفهم هو الدفاع عن الدين والمحافظة على ثوابته وموروثاته، حتَّى على هزيلها وضعيفها. فلا ننبري مع اعتقادنا بخطأ منهجهم بتكفيرهم ورميهم بالإتهامات المعلبة الجاهزة التي تذخر بها قواميسهم ومفرداتهم. من وحي أفكار العلَّامة الشيخ عبد الله العلايلي رحمه الله قوله: ليس من باب المحافظة على التراث الحرصُ على تقليده مع العلم بأنَّه خطأ، أو التوهُّم بأنَّ البحث فيه قد يوقعه بالمحظور؛ وليس خروجاً عن المألوف المتوارث التصحيح الذي يعيد للمبادئ أصوليتها وأنفعيَّتها للناس ومواكبتها للتجدُّد المنضبط المبني على الإيمان والعلم والمعرفة والحكمة.

ويحضرني في هذا المجال قول الشيخ محمد الغزالي: «إنَّ أمتنا غنية بأولي الألباب؛ ولكنِّي لا أعرف أمَّةً تضع السدود أمام عقلائها كالأمَّة الإسلاميَّة».

الخطأ الكبير

الخطأ الذي وقعت به بعض المؤسسات الدينية المنغلقة، سواء الإسلامية منها وغيرها، هو في تعميق هذه الهوة بين النظرية والتطبيق، بين ما تتعلمه على مقاعد الدراسة كنظرية ومنهجية دينية صحيحة، وبين ما تطبقه في العمل داخل المؤسسة الدينية، حتى باتت هذه الآثار المنقولة في الجانب الإسلامي عن الصحابة وبعض العلماء في «خبر كان» ان لم نقل بأنه يتوجب العمل بنقيضها: «فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني»، «رحم الله من أهدى إليّ عيوبي»، «الساكت عن الحق شيطان أخرس»…
في مقام هذه الحرية التوّاقة الى الإنفتاح والمناقضة للإنغلاق لا تكن مصفقاً للباطل في كل الأحوال فيكفيك ما قاله الإمام علي: «ان لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل». وإن عارضك خذلان المجتمع لك، فكن مقتدياً بما قاله الشيخ محمد رشيد رضا: «الثائر لأجل مجتمع جاهل هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق لشخص ضرير».

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi