الخدمات الاعلامية

سليم الحص بين السلطة والإنسانية / بقلم رفعت بدوي/الشراع

مجلة الشراع 21 حزيران 2021

(الكلمة التي القيتها في ندوة مخصصة للبحث في  فكر وادارة الرئيس سليم الحص للسلطة)

بداية اتوجه بالشكر الجزيل الى ندوة العمل الوطني ممثلة برئيسها الدكتور وجيه فانوس والاخوة المستشارين والاعضاء المشاركين في ادارة هذه الندوة المخصصة للبحث في تجربة وفكر الرئيس سليم الحص.

 معلوم ان الرئيس الدكتور سليم الحص الأكاديمي الاقتصادي المؤسساتي هو صاحب الفضل في طرح فكرة انشاء مجلس الانماء والاعمار على المسؤولين اللبنانيين في بداية الستينيات من القرن الماضي وذلك بهدف تأمين الانماء المتوازن بين مختلف المناطق اللبنانية الامر الذي يجعل المواطن أكثر مواطنة و ملتزماً بانتمائه للدولة.

 الدكتور سليم الحص اراد انشاء وزارة متخصصة بتنفيذ الانماء والاعمار وذلك في بداية عهد الرئيس الياس سركيس لكن شاءت الظروف ان يكلف بتشكيل وترؤس اول حكومة في العام 1976

 الرئيس سليم الحص لم يسع يوماً الى تبوء منصب وزاري او حكومي او الى رئاسة الوزراء، بيد ان اداء الرئيس سليم الحص الوطني النقي المتعفف النظيف جعل منه مقصداً لكل رؤساء الجمهورية بدءا من الرئيس الياس سركيس ثم الرئيس امين الجميل مروراً بالرئيس الياس الهراوي وصولاً الى الرئيس اميل لحود.

الرئيس الدكتور سليم الحص ومن خلال ادائه الوطني والانساني المميز في السلطة النابع من ضمير حر وانسانية وبنزاهة عالية مترفع عن اي مقاصد شخصية اكسبه ثقة كل الرؤساء والوزراء الذين عملوا الى جانبه كما أكسبه ثقة المواطن اللبناني

 لقد اولى الرئيس سليم الحص جانب العدالة الانسانية وسلامة المجتمع اللبناني حيزاً كبيراً من الاهتمام والاحترام من دون اي تمييز بين فئة وفئة او بين منطقة واخرى او بين الاديان او بين مذهب وآخر متعمداً ممارسة السلطة انطلاقاً من مبدأ ايلاء كرامة الانسان وانصاف المواطن والحفاظ على تماسك المجتمع والانتماء الوطني والعربي اهتماماً بالغاً في جميع المناصب التي تولاها، سواء الاقتصادية منها أو المصرفية والوزارية وحتى في كل الحكومات التي تولى رئاستها.

مما لا شك فيه ان مفهوم الرئيس سليم الحص للدولة مختلف عن مفهوم الذين سبقوه او اولئك الذين خلفوه.

 يقول الرئيس سليم الحص ان الدولة وجدت لحفظ حقوق الانسان ولتنظيم مسيرة الحياة ولتأمين مستقبل المواطنين ومستقبل الاجيال المتعاقبة لذلك كانت معادلته الذهبية التي ارتكزت على احترام الدولة لحقوق المواطن وحفظ كرامة الانسان فيها ما يضمن تحفيز الانسان المواطن على احترام القوانين والايفاء بحقوق الدولة، وبذلك نستطيع ارساء مفهوم المواطنة الحقيقية بين الدولة والمواطن.

العدالة الاجتماعية شكلت عند الرئيس سليم الحص هاجساً خصص لها جهداً خاصاً في سبيل تأمينها للمجتمع وهو القائل ان العدالة الاجتماعية هي صمام الامان للمواطن ومفتاح ازدهار الوطن واذا سيطر الفساد على المجتمع وحرم الانسان من عدالة الامن المعيشي فلا بد من انفجار المجتمع وتفككه وبالتالي سنجد انفسنا امام خطر تفكك الدولة وتحللها.

 انتبه الرئيس سليم الحص إلى مشكلة علاقة المواطن في لبنان بالدولة التي يشوبها اعتوار الثقة وان تأمين مستقبل المواطن وخاصة تأمين شيخوخة المواطن هي المدخل الاساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة ولذلك كان للرئيس سليم الحص الفضل في طرح مشروع تأمين الشيخوخة على المجلس النيابي الذي حاز على موافقة المجلس لكن منظومة الفساد ابقته في ادراج المجلس وحالت دون تنفيذه  ولم يبصر النور.

*الدكتور سليم الحص وايجاد الحلول لازمة بنك انترا*

 الدكتور سليم الحص هاله حدث اعلان افلاس بنك انترا واصيب بالصدمة، وأكثر ما اعتصر قلب الدكتور سليم الحص هو مشهد المواطن الذي اصابه الحزن على ضياع مدخرات العمر في زحمة الصراع والتنافس الداخلي الاقليمي والدولي للاستحواذ على قرار لبنان الاقتصادي والسياسي.

عكف الدكتور سليم الحص على دراسة الواقع المصرفي جراء ما حدث لبنك انترا واجتهد في وضع تصور لحل مشكلة البنك المتعثر.

 كان آنذاك الرئيس الدكتور عبد الله اليافي رئيساً للوزراء ووزيراً للمالية، وكان الدكتور خليل سالم يشغل منصب مدير عام وزارة المال فشكّل لجنة للنظر في الحلول المُمكِنة لأزمة أنترا، وذلك برئاسة الدكتور خليل سالم وعضويّة الدكتور سليم الحص والمحامي سامي الشمّاس. ولقد كان الدكتور سليم الحص في هذه اللجنة أوّل من طرح فِكرة تحويل ودائع المصرف المُتعثِّر إلى أسهُم في رأسمال شركة مالية تقوم على أنقاض المصرف. وهو الحَلّ الذي اعتمدته اللجنة في نهاية المطاف، ومن هنا كان للدكتور سليم الحص الفضل في الحفاظ على ودائع المواطنين.

انها الازمة التي جعلت الدكتور سليم الحص يطرح فكرة انشاء لجنة مصرفية متخصصة مهمتها فرض رقابة صارمة على حركة البنوك وذلك لإرساء قواعد مصرفية آمنة تقي القطاع المصرفي اي اهتزاز في لبنان سميت لجنة الرقابة على المصارف التي نجحت في فرض رقابة صارمة على آلية عمل المصارف وكان له ما اراد وترأس عمل اللجنة لفترتين متتاليتين قبل ترؤسه اول حكومة.

احترام الانسانية بكل معانيها عند الرئيس سليم الحص له قدسية خاصة وقد شكل ذلك قانون حياة ومقياسا للضمير وعنوانا لقيم والاخلاق واساسا لا بد منه لإرساء الديمقراطية الصحيحة من اجل تطبيق العدالة في المجتمع وهو الذي انتصر للإنسانية في كل حالاتها قولاً وممارسة فعلية  اكان في السلطة او خارجها.

 الرئيس سليم الحص كان في تحد دائم بين السلطة والانسانية ولم يدع للسلطة منفذاً للانتصارعلى الانسانية خصوصاً في الحالات الإنسانية التي لا تتطابق والقوانين المرعية او في حالات تطبيق القوانين التي لا تأخذ بمبدأ الإنسانية، فكان الرئيس سليم الحص يعكف على دراسة تلك الحالات لإيجاد الحلول التي توائم بين تطبيق قوانين السلطة وبين الانتصار للإنسانية.

وهنا لا بد لنا من التنويه برفض رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص التوقيع على قرار قضائي لبناني قضى بإعدام شخصين وهو في سدة السلطة التنفيذية وذلك حرصاً منه على مبدأ الانسانية الذي قدمه على القوانين والقرارات وايماناً منه بان العقوبة القصوى للإنسان هي عذاب الضمير وليس الاعدام فالله واهب الحياة وحده له الحق في القبض على الروح وليست القوانين التي تعاكس الإنسانية.

 *دروس وعبر في الإنسانية*.

 من نافل القول بان الانسان حصل على علومه من أرقي جامعات في الغرب لكن أستطيع القول ان تحصيل العلوم في مدرسة وجامعة الرئيس سليم الحص لا يمكن مقارنته بأي تحصيل علمي وفي اي جامعة من جامعات العالم.

 من نعم الله علي ان الرئيس سليم الحص قد خصني شخصياً بالاحتضان ورفدني بدروس خصوصية شكلت ذخراً وزاد معرفة وعلماً وانسانيةً اغنت حياتي وثقافتي واثقلت مفهوم الحياة الرسمية منها والعادية على حد سواء.

*الرئيس سليم الحص “الثائر النبيل*

من الدروس التي شكلت تحولاً في مفهومي للضمير الانساني بيان استنكار صدر عن الرئيس سليم الحص حين اقدام أحد المقاومين في فلسطين على تنفيذ عملية تفجير ضد قوات العدو الاسرائيلي لكن تلك العملية اودت بحياة اطفال يهود، حينها أصدر الرئيس سليم الحص بيان استنكر فيه استهداف الاطفال لاي دين انتموا ولو كانوا يهوداً وفي اليوم نفسه جئته معاتباً لإصداره بيان الاستنكار فيما العدو الاسرائيلي يتعمد قتل اطفال فلسطين في الشوارع وعلى الملأ. حينها التفت الرئيس سليم الحص الي قائلاً: اذا اردت ان تكون ثائراً ضد الظلم والاضطهاد مناصراً لحقوق الانسان او لعدالة قضية انسانية عليك ان تكون انساناً لا ان تكون مجرماً فالثائر، او المقاوم الحقيقي يقاس بمدى انسانيته وليس بمدى اجرامه فقتل الاطفال هو الجريمة المجردة من الإنسانية.

ومع العلم ان الرئيس سليم الحص صاحب لقب ضمير الوطن وضمير الامة العربية وضمير فلسطين الا انني في تلك اللحظة اضفت على القاب الرئيس سليم الحص لقباً مستحقاً وهو “الثائر النبيل”

 اعترف امام الله وامامكم بان الله سبحانه منحني نعمة لا تقدر بثمن وهي حب وثقة الرئيس سليم الحص الذي احتضنني واغدق علي من دروس وتوصيات خاصة مستخلصة من تجاربه التي اسهمت في ثقل وتهذيب مفهومي لممارسة السلطة وجعلها في خدمة الانسانية انطلاقاً من تحكيم الضمير واعتماده قبلة في محاربة الظلم.

اذكر هنا بعضاً من تلك الدروس والتوصيات التي خصني بها الرئيس سليم الحص

*اذا تبوأت منصباً فاجعل الضمير حكماً لكل خطواتك

*لا تدع السلطة تثنيك عن خدمة الانسان والانسانية

*التمسك بثوابت الاخلاق وبالقيم الانسانية

*التعفف عن اي مطلب او مصلحة شخصية

*لا تسعى وراء المناصب مهما كانت فان نزاهتك ومسيرتك النقية كفيلة بجعل المناصب تسعى اليك

*الحفاظ على المال العام لأنه مال الشعب ولأنه امانة عند المسؤول

*عدم الحياد عن المواطنة وعن المبادئ الوطنية

*ضرورة التمسك بهوية لبنان العربية والاخلاص للقومية العربية والاستبسال في الانتصار لقضية فلسطين وللحق الفلسطيني ولأي حق عربي وفي كل المحافل

خاتمة

الرئيس سليم الحص أوجد مفهوماً جديداً للسلطة وأرسى قواعد فلسفة مختلفة وفريدة في ممارسة السلطة وبجدارة عالية وبالحس الانساني ليس في لبنان وحسب بل في الوطن العربي ترجمها في مواءمة عادلة بين السلطة والإنسانية.

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى