مقالات

الانقاذ يتطلب حكومة مطابقة للمواصفات… غسان ريفي

بغض النظر عن الكمّ الهائل من الخبريات والتسريبات ووجهات النظر سواء التحليلية أو تلك التي تعتمد على المصادر المقربة منها أو المطلعة أو العليمة، وما أنتج ذلك يوم أمس من مغالاة في السلبية روجها المتضررون من تشكيل الحكومة، ومن حذر في الايجابيات حاول الخائفون على مصير الوطن بثها، فإن جملة من الثوابت يجب أن يلتزم بها الطبقة السياسية في حال صدقت نواياهم بالانطلاق في مسيرة وقف الانهيار التي ينشدها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في حكومة مطابقة للمواصفات.

من أبرز هذه الثوابت:

أولا: تغليب المصلحة الوطنية على ما عداها، فلا تدفع التجاذبات السياسية البالغة ذروتها اليوم التيارات السياسية الى التضحية بالبلد وأهله من أجل تسجيل نقاط هنا أو تحقيق مكاسب آنية هناك، خصوصا أن الانهيار في حال إستمر وصولا الى الارتطام الكبير لن يوفر أحدا.

ثانيا: عدم إدخال عملية تأليف الحكومة التي باتت في مرحلة اللمسات الأخيرة في تصفية الحسابات الضيقة وفي الحقد السياسي، والكف عن وضع العراقيل المقنعة وعن طرح الشروط المشبوهة، فالبلاد لم تعد تحتمل مزيدا من المماطلة، خصوصا أن سنة كاملة من دون حكومة كانت كفيلة بإعادة لبنان الى مشارف العصر الحجري.

ثالثا: إن الانتخابات النيابية التي ينشدها البعض مبكرة كانت أو في موعدها الرسمي، علما أن الوقت لم يعد يحتمل الطرح المبكر، تحتاج الى حكومة كاملة الصلاحيات بوزيريّ داخلية وعدل لا غبار عليهما ولا لون سياسي لهما، وذلك لإنجاز هذا الاستحقاق على أكمل وجه تمهيدا لاعادة تكوين السلطة وعودة إنتظام الحياة العامة في البلاد.

رابعا: الكف عن المماحكات والنكد السياسي بما في ذلك التهديد الدائم بتقديم الاستقالات من مجلس النواب والنزول الى الشارع، علما أن الاستقالة التي ما يزال البعض يتشدق بها قد طويت لأسباب عدة، كما أن النزول الى الشارع غير ممكن في ظل الغضب الشعبي العارم على كل المكونات السياسية التي في حال لم تسهل ولادة الحكومة لن تجد لها مكانا في الشارع، وربما لن تستطيع ممارسة عملها المعتاد في مراكزها.

خامسا: الكف عن السعي للحصول على الثلث المعطل في الحكومة، فالرئيس ميقاتي لن يعطي هذا الثلث لأي فريق سياسي، وهذا الأمر متوافق عليه محليا وإقليميا ودوليا، وكل محاولة جديدة تجاهه هي هدر للوقت.

سادسا: الاسراع في الاستفادة من تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي خصوصا أنها قد تشكل الفرصة الأخيرة للعهد والبلد على حد سواء، وبالتالي فإن أية عرقلة تحول دون ولادتها بما يؤدي الى الاعتذار من شأنها أن تقفل باب التكليف أمام قصر بعبدا، خصوصا أن من لم يستطع التفاهم مع ثلاثة رؤساء مكلفين، ومن كان شاهدا على فشل رئيس ضعيف بحكومة إستقالت قبل أن تتحول الى تصريف الأعمال بزمن طويل، لن يستطيع التعاون مع أي رئيس آخر خصوصا إذا ما أراده من قماشة الرئيس حسان دياب.

أمام كل هذه المعطيات، فإن أي تعطيل للمهمة الانقاذية التي يقودها الرئيس ميقاتي يرتقي الى مصاف الجريمة بحق الوطن، خصوصا أن الرئيس المكلف لا يطلب شيئا لنفسه، بل يسعى الى تشكيل حكومة أساسها الكفاءة والخبرة والولاء للوطن، وليس التبعية والولاء للتيار السياسي، وحكومة الرجل المناسب في المكان المناسب وليس حكومة المحاصصة والمحسوبيات، وحكومة تشكل صدى إيجابيا لدى اللبنانيين، وليس حكومة تضاعف من إحباطهم، وحكومة تستدرج مساعدات المجتمع الدولي وتستعيد ثقته، وليس حكومة محاصصة معزولة ومقطوعة من شجرة.

لا شك في أن كل هذه المواصفات لا يختلف عليها أحد من التيارات السياسية التي تتسابق لاعلان تأييدها لها عبر وسائل الاعلام، لكن تبقى العبرة في التنفيذ والترجمة العملية بتسهيل المهمة الانقاذية، فهل يصحو الضمير وتشكل الحكومة؟..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى