الخدمات الاعلامية

القرآن الكريم محفوظ بالعناية الربانية / بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 7 نيسان 2022

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

{إنَّا نحن نزَّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون} سورة الحجر.

لا كتاب أعزّ على المؤمنين من كتاب الله القرآن الكريم فهو الحق المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنزله ربنا على قلب أشرف المرسلين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم معجزةً مستمرةً على تعاقب السنين، تحدَّى به كفار قريشٍ على ما كانوا عليه من الفصاحة والبلاغة فعجزوا عن الإتيان بمثله، وما زال التحدي قائمًا إلى آخر الزمان وما زال القرآن الكريم محفوظًا كما نزل منذ ما يزيد على ألفٍ وأربعمائة سنة بحفظ الله له، وقد كان أول ما نزل منه في غار حراء أول خمس آياتٍ من سورة العلق وما زالت الآيات تترى حتى اكتمل نزوله المبارك في نحو ثلاثٍ وعشرين سنة، وكان آخر ما نزل منه قول الله تعالى في سورة البقرة: {واتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله ثم توفَّى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يُظلمون}.

روى الطبراني وغيره عن ابن عبَّاسٍ قال:

“فُصِل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم يرتله ترتيلًا”.

وقوله “فُصل” أي أُخذ، “والذكر” اللوح المحفوظ وهو فوق السماء السابعة كُتبت فيه مقادير الخلائق، “وبيت العزة” مكانٌ في السماء الدنيا أي الأولى وذلك أن جبريل عليه السلام أخذ القرآن كله من اللوح المحفوظ فجعله في بيت العزة وكان ذلك في رمضان في ليلة القدر كما دلَّ عليه قول الله تعالى في سورة البقرة:

{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدىً للناس وبيِّناتٍ من الهدى والفُرقان}

وقوله تعالى في سورة القَدر: {إنَّآ أنزلناه في ليلة القدر}

وقوله صلى الله عليه وسلم: “وأنزل القرآن لأربعٍ وعشرين مضت من رمضان” رواه أحمد والبيهقي عن واثلة بن الأسقع. وكانت ليلة القدر وقتها ليلة الرابع والعشرين من رمضان وذلك أن ليلة القدر لا تختصُّ بليلةٍ معيَّنة.
قال السيوطي في “الإتقان” “قيل: السر في إنزاله جملة إلى السماء تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قرّبناه إليهم لننزله عليهم”.

وصار جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن الكريم من بيت العزة على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الوقائع والحوادث، “والترتيل” التبيين وذلك بأن يُقرأ بتُؤدةٍ ويعطى كل حرفٍ حقَّه، وقد كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الشىء من القرآن فيأمر بوضعه في مكان كذا بعد آية كذا وبأن تكون سورة كذا في موضع كذا، وبالتالي:

فإن ترتيب القرآن الكريم على هذا النحو توقيفيٌ أي بالوحي وليس برأي الصحابة وإنما لم يكن القرآن الكريم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مجموعًا في مصاحف كما هو اليوم.

قال السيوطي في “الإتقان”: “قال الخطَّابي: وإنما لم يُجمع القرآن في المصحف لما كان يترقَّبُه من ورود ناسخٍ لبعض أحكامه وتلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاءً بوعده الصَّادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصدِّيق بمشورة عمر”.

ومعنى “النسخ” هو رفع حكمٍ شرعي سابقٍ بحكم شرعيٍ لاحق وذلك أنه كان يُوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحكمٍ يُعمل به مدةً ثم يُنسخ ويُشرع حكمٌ آخر والنسخ خاصٌ بالأحكام فلا نسخ في العقائد ولا نسخ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد تكلمنا في هذا في مقالٍ سابق بعنوان: “الناسخ والمنسوخ” فليراجعه مريدُ الفائدة.

جمعُ القرآن الكريم
روى البخاري عن زيد بن ثابتٍ قال:

“أرسل إليَّ أبو بكرٍ مقتل أهل اليمامة (أي بعد معركة اليمامة حيث قُتل كثيرٌ من حُفَّاظ القرآن) فإذا عمر بن الخطَّاب عنده قال أبو بكرٍ: إن عمر أتاني.

فقال: إن القتل قد استحرَّ (كثُر واشتد) يوم اليمامة بقرَّاء القرآن وإني أخشى أن يستحِرَّ القتل بالقُرَّاء بالمواطن فيذهب كثيرٌ من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.

قلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.

قال زيد: قال أبو بكر إنك رجلٌ شابٌ عاقل لا نتهمك وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبَّع القرآن فاجمعه. قال زيد: فوالله لو كلَّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن” الحديث… وفيه: “فتتبَّعت (الكلام لزيد) القرآن أجمعه من العُسُب واللِخاف وصدور الرجال”.

“والعُسُب” جمع عسيب وهو سعف النخل أي الجريد “واللِخاف” حجارة بيضٌ رقاق، والمعنى أن بعضهم كان يكتب على شىءٍ من ذلك وبعضهم كان يحفظ في صدره. وفيه: “فكانت الصحف (أي التي جمع فيها زيدٌ القرآنَ الكريم) عند أبي بكرٍ حتى توفَّاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر”.

وما زالت تلك الصحف في بيت أم المؤمنين حفصة عليها السلام حتى كان زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان فنسخ القرآن في المصاحف.

جاء في “الإتقان” للسيوطي أن حذيفة بن اليمان قدم من بعض المغازي وقد أفزعه اختلاف الناس في القراءة وذلك أن الناس اختلفوا بعد أن ساحوا في الأرض واختلط العرب بالعجم فخطَّأ بعضُهم بعضًا في القراءة فقال حذيفة لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصحف ففَعَلت، فأمر عثمان ناسًا منهم زيد بن ثابت بنسخ المصاحف وقال للرهط الذين وكَّلهم بالنسخ: إذا اختلفتم في شىءٍ من القرآن فاكتبوه بلسان قريشٍ فإنما نزل بلسانهم ففعلوا، وأرسل بالنُسخ إلى الآفاق وأبقى لنفسه نسخة في المدينة وقد استُشهد وهو يقرأ فيها يوم الدار.

وما زال القرآن الكريم محفوظًا كما نزل إلى يومنا هذا ولن يزال محفوظًا بوعد الله من كل أفَّاكٍ يروم تحريف لفظه، ولكن ربما حرَّف بعضهم معنى ألفاظه فزعم أن معنى الآية كذا ففسرها على خلاف الصواب وهذا كثيرٌ فالحذر الحذر.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

 

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi