الخدمات الاعلامية

أوروبا التحولات من المسألة الشرقية الى سايكس بيكو  الى وعد بلفور الى حل الدولتين – متى أميريكا؟ / بقلم عبد الهادي محيسن/ الشراع

أوروبا التحولات من المسألة الشرقية الى سايكس بيكو  الى وعد بلفور الى حل الدولتين – متى أميريكا؟ / بقلم عبد الهادي محيسن

مجلة الشراع 12 أيلول 2021

هناك شبه إجماع لدى المؤرخين على إعتبار حملة نابليون فاتحة المسالة الشرقية أي المسالة المتعلقة بتصفية الأمبراطورية العثمانية ، وهي ما سماها بعض المؤرخين بالحملة الصليبية التاسعة ، تبع ذلك حملة تبشيرية تجاه الأراضي المقدسة مع نشاط قنصلي محموم فبادرت بريطانيا الى فتح قنصلية لها في القدس عام 1838 وتبعتها دول أوروبية أخرى مثل بروسيا وفرنسا وساردينيا والنمسا .

وفي التوقف عند الإلتباس البروتستانتي – اليهودي أو الصهيونية المسيحية ، لقد كان دخول البروتستانتية المتأخر الى فلسطين قد اقترن باعتقاد أنها دين الله المختار الجديد…ولئن انتصر المبشرون الإنغليكانيون لفكرة دولة مسيحية في فلسطين ، فإن السياسيين البريطانيين قد انتصروا لفكرة “عودة اليهود الى فلسطين ” والسبب الرئيسي لهذه الفكرة تندرج في إطار المنافسة مع فرنسا التي كانت قوة كاثوليكية منافسة .

وفي سياق هذه المنافسة الدولية على فرض النفوذ والحماية على الطوائف المسيحية الشرقية وعلى الأماكن المقدسة في فلسطين ، سرعان ما أدت المنافسة الدينية بين الدول الأوروبية الى إندلاع فتن طائفية بين المسيحيين الفلسطينيين ، ففي 1852 هاجم الفلسطينيون الكاثوليكيون المدرسة البروتستانتية في مدينة الناصرة وفي 1854 هاجمت جماعة مشتركة من المسيحيين والمسلمين مقر البعثة البروتستانتية في نابلس .

وعندما شن الفرنسيون والإنكليز في الحرب العالمية الأولى هجومهم البحري المشترك على مضائق الدردنيل ودحروا الأتراك ، بات واضحا مآل دولة الخلافة العثمانية الى تفكك وأنّ تقاسم تركة الرجل المريض دخل طور التنفيذ الفعلي ، وحتى لا يؤدي الصراع الى إنقسام في صفوف  الحليفين في مواجهة الخصم الألماني فقد اتفقا على وضع برتوكول يوفق بين مصالحهما وهكذا إجتمع في لندن جورج بيكو مندوبا عن وزارة الخارجية الفرنسية ومارك سايكس مندوبا عن وزارة الخارجية البريطانية وحررا إتفاقا ( سايكس بيكو ) أقرته سلطات البلدين في 16 ايار 1916 .

كان للخلاف الذي حصل بين الحليفين في العام 1917على من له أولوية الإنتداب لفلسطين الفرنسيين أم البريطانيين ، وقطعا للطريق على الفرنسيين فاجأت بريطانيا العالم وحلفائها بإصدار ما سيعرف في التاريخ بإسم ” وعد بلفور ” في 2 تشرين الثاني 1917 ، والمفاجأة أن الصراع على الأراضي المقدسة بين القوى المتحالفة  كان يصور على أنه شأن مسيحي ، فصحيح أن روسيا كانت تتدخل بصفتها الأورثوذكسية وفرنسا بصفتها الكاثوليكية وإنكلترا بصفتها البروتستانتية إلا أن تدخلهم يعتبر بالصفة المسيحية .

إلا أن اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا أقحم فاعلا دينيا جديدا : اليهود … ولما لم يكن للإنكليز بعد فشل مشروعهم التبشيري في الأراضي المقدسة موطئ قدم مشروع أو مقبول ، كان لابد من إختراع  مشروعية جديدة هي تلك التي لليهود حيث أعطاهم الله الحق في أرضه …. بالإضافة الى النفوذ الذي كان قويا لممثلي الحركة الصهيونية في إنكلترا في حينه نظرا للقدرة التمويلية لأغنياء اليهود في ظروف الحرب الأولى .

كانت الصيغة التي صيغ بها الوعد بإنشاء مأوى قومي للشعب اليهودي مخففة بناء على طلب قادة الحركة الصهيونية فقد كان النص الأصلي يتحدث عن ” إعادة إحياء فلسطين كدولة يهودية ومأوى قومي للشعب اليهودي ” فتدخلوا لإلغاء عبارة دولة يهودية بوصفها سابقة لأوانها  ومن شأنها تأليب العالمين المسيحي والإسلامي على المشروع الصهيوني .

جاء مؤتمر سان ريمو العام 1920 وقراره تفويض بريطانيا الإنتداب على فلسطين ، ليصحح الخلل من دولة ليس لها سلطة على فلسطين الى دولة منتدبة …. كتب بلفور ردا على الطعن بشرعية الوعد قائلا : إن الدول الأربع الكبرى إنكلترا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا قد انحازت الى جانب الصهيونية .
لقد كان إستبدال شرعية دينية مسيحية بشرعية دينية يهودية تم في شروط تحول أوروبا نحو العلمنة ، حيث وجد مبرره في الشعور الأوروبي المرهق بالذنب بعد إكتشاف المشواة اليهودية في أثناء الحرب العالمية الثانية ، والذي كان السبب الأول لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 والذي كان في صميمه قرارا أوروبيا وهو ما يفسر التعاطف اللامشروط مع إسرائيل الذي منع الضمير الأوروبي طوال عقدين أن يرى مشواة الشعب الفلسطيني  ويري التكفير عن جريمة تم على حساب جريمة أخرى اقترفت بحق الفلسطينيين .

وجاءت حرب 1967 لتعزز دور الإسرائيليين العدواني فها هو داود الضعيف يهزم جوليات العملاق ثم جاءت النزعة التوسعية الإسرائيلية لتسفر عن وجهها من خلال الإستيطان الوحشي على كامل أراضي فلسطين فمهدت التربة لنمو البذور الأولى لموقف أوروبي نقدي عززه الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ثم جاءت إنتفاضة الحجارة بالصورة المتلفزة وهي لغة العصر .

لقد تبين للأوروبيين أن الفلسطينيين ليسوا ضحايا فحسب بل ضحايا الضحايا وهذا ما استدعى من الأوروبيين موقفا نقديا جديا لمنع ضحايا الأمس من أن يتحولوا الى جلادين وهذا ما يفسر تدخل أوروبا 350 مرة منذ العام 1967 حتى العام 1999 لتؤكد على حل عادل للقضية الفلسطينية ولإقامة دولتهم على حدود 4حزيران 1967 .

لكن أوروبا لم تعد اليوم القوة الأولى في العالم كما كانته حين قطعت وعد بلفور وعام التقسيم  ، إلاّ أن إسرائيل مازالت تحافظ على قداستها بنظر الأميركيين وبانتظار أن تكتمل عملية نزع القداسة لتصير بنظر الأميريكيين  كما بنظر الأوروبيين دولة عادية فإن آلام الفلسطينيين مرشحة أن تطول .

عبد الهادي محيسن …. كاتب وباحث .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi